لسنا في حاجة إلى تقييم النقاش الثقافي المحتدم الذي شهدته ساحتنا مؤخرا، ولا إلى النّظر في حصافة الأسئلة المطروحة، والثمرات المرجوّة منها، ما دامت السّاحة حصلت أخيرا على نقاش يطرح الأسئلة ويحاول أن يحدّد المفاهيم، ويحرص على تقديم الرؤى واضحة.
وهذا – كما نراه – يمثل انتقالا جيّدا من وضع «استقالة المثقف» الذي ظل دائما موضوع شكوى، إلى وضع «المثقف الفاعل» في الحياة اليومية للناس، ما يعني أن «النقاش»، مهما تكن أسبابه ودوافعه ومسوّغاته، قد تمكن، في الأخير، من أداء وظيفة غاية في الأهمية على المستوى الأفقي، ويمكن أن يتحوّل إلى نقطة نهاية لحكاية (مثقف البرج العاجي) الذي يقول أشياء أقرب إلى الأوهام لا يستوعب الناس منها شيئا، وهي – بصراحة – لا تتجاوز (رطانات إنشائية) يتذرع بها من (يتمتع) بصفة «مثقف» كي يثبت جدارته بمكانته المرموقة..
ولا مجال للحديث عن منتصر ومنهزم في النّقاش الثقافي، فهذا ليس مضمار سباق، وإنّما هو محرّك لآلة التفكير، يشحذ العزائم على الإبداع، ويحضّ على الاطلاع، ويدفع باتجاه إثارة الأسئلة التي توسّع الآفاق أمام الباحث والناظر والراغب في المعرفة. وعلى هذا، لا يكون «المثقف» ذلك المستمتع بسموّ مكانته، وإنّما هو ذلك المنشغل بهموم وطنه، الحريص على رؤية أبناء بلده في أسمى ما يتصوّره لهم من رقيّ، دون أي ادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة، ولا استعلاء برأي قد يبدو منسجما، فـ «المثقف» يدرك أن «الحقيقة» نسبية، ولا مجال لمقاربتها دون انفتاح على الرأي الآخر، ومحاولة قراءته بشكل جيّد..
نعتقد أن ما تحقق للساحة الأدبية الجزائرية، بفضل كثيرين ممن لم تخفق قلوبهم إلا بحبّ الوطن، يكفل للأجيال الجديدة أن تكون لها كلمة عليا في عالم الإبداع، بعيدا عن ثقافة الأبراج العاجية..