بمواقف ثابتة، واضحة وصريحة لا تحتمل قراءتين، حافظت الجزائر على دورها الدبلوماسي الريادي والمحوري في القضايا الإقليمية والدولية في سياق الشرعية والقوانين الدولية، فكانت القضية الفلسطينية عبر عقود من الزمن القضية الأم التي لم تدخر الجزائر أي جهد دبلوماسي لحلها أو على الأقل تقوية الجبهة الفلسطينية، ولعل إعلان رئيس الجمهورية المتكرر أن الجزائر لن تتخلى عن قناعاتها وثوابتها تجاه القضية الجوهرية للأمة العربية والإسلامية، هو تأكيد آخر على الدعم الكامل واللامشروط للقضية الفلسطينية.
أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في عدة مناسبات، بأن القضية الفلسطينية مقدسة بالنسبة للجزائريين، لذلك كان إعادتها الى واجهة النقاش في القمة العربية التي ستعقد في الجزائر، التي تعول على إنجاحها من خلال لم الشمل العربي.
مواقف ثابتة ومقدسة تجاه أمّ القضايا قمة عربية ناجحة.. لمّ الشمل الفلسطيني من لمّ الشمل العربي
لم الشمل العربي لن يكون بعيدا عن لم الشمل الفلسطيني، الذي زادته الفرقة انكسارا وضعفا أمام عدو يستعمل الأمم المتحدة والدول الغربية كدرع حماية وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني، فكان العدوان على غزة، بحر هذا الأسبوع، امتحانا صعبا أمام العالم فشلت فيه أبواق الديمقراطية المزيفة وحقوق الانسان الافتراضية في إدانة تقتيل الأطفال والعزل في غزة، في تبرير مزدوج يلبس عدوان الاحتلال الإسرائيلي لباس حق الدفاع عن النفس، بينما يدين دفاع الفلسطينيين عن حقهم في أرضهم التي سرقت منهم باسم «تاريخ مزيف».
ومسؤولية الجزائر، التي تحتضن القمة العربية في الفاتح نوفمبر المقبل، اليوم أكبر في إيجاد أرضية اتفاق للأمة العربية تعيدها الى أداء دور محوري في القضايا الإقليمية.
وأعطت مبادرة رئيس الجمهورية للم شمل الفصائل الفلسطينية على الأرض الجزائرية بعدا آخر وأفقا جديدا للقضية الفلسطينية من اجل توحيد صفوفهم، خاصة وان القضية الفلسطينية هي بمثابة الإسمنت الموحد للصف العربي، فكان لقاء فتح وحماس وتصافح رئيس الدولة الفلسطينية ممثل حركة «فتح» محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» إسماعيل هنية، تحت رعاية الرئيس تبون شخصيا، خطوة مهمة نحو توحيد الصفوف الفلسطينية وإيجاد حد أدنى من الاتفاق للمرور الى رهان محوري ذي بعد اقتصادي وعدم الاكتفاء دور المنفعل بالانتقال الى دور الفاعل في الاقتصاد العالمي.
ويرى مراقبون، أن الجزائر تملك عوامل مهمة تعطيها الأولوية والأفضلية لإنجاح مبادرة لم الشمل العربي والفلسطيني. فالتاريخ والمصداقية والفاعلية الدبلوماسية، كلها أوراق رابحة تملكها لجمع الفرقاء الفلسطينيين، لذلك أعلن رئيس الجمهورية في لقائه الأخير مع الصحافة الوطنية عن لقاء يجمع مختلف الفصائل الفلسطينية قبل انعقاد القمة العربية نوفمبر القادم، لتقريب الرؤى الفلسطينية حتى تكون القضية الجوهرية والمقدسة للجزائريين من أهم المحاور التي تناقشها القمة العربية القادمة.
فدولة افتتحت مكتبا لفلسطين في 1963 بعد أشهر قليلة من استقلالها كان الأول من نوعه في العالم كله، كان بمثابة نافذة مهمة للتعريف بالقضية الفلسطينية بدعم تام من السلطات الجزائرية للم شمل الفصائل الفلسطينية آنذاك.
الدور الحاسم للجزائر لم يتوقف هنا، بل تواصل خلال القمة العربية السادسة التي احتضنتها في سبتمبر 1973، التي كان من أهم نتائجها الموافقة على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين.
دون أن ننسى أن الجزائر كانت الأرض التي أعلن فيها الرئيس الراحل ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية في 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في 1987. الدعم والمرافعة لصالح القضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية لم يكن مرتبطا بجزائر الاستقلال فقط، بل بدأت منذ الأربعينيات بتكوين جمعية العلماء المسلمين لجنة دعم للقضية الفلسطينية في 1948.
العودة الى الواجهة
أبانت إدانة الجزائر القوية والشديدة اللهجة العدوان الصهيوني الأخير على غزة ومطالبتها المجتمع الدولي التحرك لحماية الفلسطينيين من الموت تحت قنابل الاحتلال، ثبات وتماسك موقفها تجاه القضية الفلسطينية، مسلطة الضوء على جرائم الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الأعزل. وكانت الأعلام الفلسطينية التي رفعت في الشوارع والمحلات تعبيرا واضحا على قدسية القضية للجزائر شعبا وسلطة.
في تصريح سابق، أكد سفير فلسطين لدى الجزائر فايز أبوعيطة، أن الجزائر ومن خلال رئيسها عبد المجيد تبون «رفعت قيمة فلسطين في العالم واستطاعت إعادتها إلى واجهة الأحداث»، بل أكثر من ذلك جهرت للعالم أجمع قولا وفعلا بـ «أن فلسطين ليست وحيدة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بل إنها ومعها الشعب الفلسطيني يواجهون هذا الاحتلال الغاشم، ولن تقبل الجزائر بإدارة الظهر للقيادة أو القضية الفلسطينية».
في الوقت نفسه كشف السفير، أن «تبون تحول إلى رمز وطني وعروبي، فالشعب الفلسطيني بات ينظر إليه كرمز وطني للتحرر ولنصرة القضية الفلسطينية، وخير دليل على ذلك أنه بالأمس رفع الفلسطينيون صورته وعلم الجزائر على أسوار القدس، وفي المدينة المقدسة، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الشعب الفلسطيني يقدر هذا الالتزام القومي والوطني».
رمزية رفع العلم الجزائري في فلسطين المحتلة، الى جانب العلم الفلسطيني، ورفع العلم الفلسطيني في الجزائر في مختلف الأماكن والمناسبات، يعطي الناظر أو القارئ صورة واضحة عن عمق الدعم الذي قدمته وتقدمه الجزائر لشعب مضطهد سلب أرضه دون أي رد فعل من عالم يكتفي بدور المتفرج؛ دور ترفضه الجزائر وتركز كل جهود الدبلوماسية على إعادة القضية الأم الى الواجهة لتكون جوهر القومية العربية وإسمنت وحدتها.