تواصل الحكومة ترجمة تعليمات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بخصوص الأمن الغذائي إلى واقع، بعد أن دخل “بنك البذور”، الخميس الماضي، حيز الخدمة، ليكون دافعا رئيسا من أجل بلوغ هدف التخلص نهائيا من التبعية الغذائية إلى الخارج تدريجيا.
يستهدف “بنك البذور”، حماية وتخزين البذور بغرض الحفاظ على التنوع الجيني لكل سلالة والحد من فقدان الموروث الجيني، والحفاظ على حيوية البذور، لغاية مثلى هي تحقيق اكتفاء ذاتي في هذا المجال، تفادي اللجوء إلى الخارج لاستيراد بذور قد تكون مشوهة جينيا، بالتالي تضر صحة المواطن في الجزائر.
ولعبت السلطات الوصية القائمة على هذا المشروع الذي دشنه الوزير الأول، أيمن عبد الرحمان، الخميس الماضي، على وتر توسيع مساحة البنك الذي يخزن ما يعادل 6000 سلالة نباتية، وبه 20 حاوية للسلالات الحيوانية، ما يجعل البنك خزان حقيقي للثروة النباتية في الجزائر وحصن منيع أمام حملات الاستيراد التي أنهكت هذا القطاع الاستراتيجي سنوات طويلة.
ولتحقيق ذلك، يتوجب على السلطات القائمة على هذا المشروع الاستراتيجي والهام في الوقت ذاته، تكثيف الجهود والعمل وفق أطر واضحة تساهم في الوصول إلى مبتغى الأمن الغذائي دائما، وهو ما نادت به الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال.
الاعتماد كليا على الإنتاج المحلي من البذور في الزراعة يمثل تحديا كبير لجميع المسؤولين القائمين على تسيير قطاع هام مثل الفلاحة، مرجح له لعب أدوار أولى في سياسية “رابح رابح” الاستثمارية والاقتصادية، قد يجني القطاع أرباحا هائلة في المستقبل القريب.
ويعد “بنك البذور” من المشاريع والإجراءات التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي، مثلما أكده الوزير الأول، أيمن عبد الرحمان، في تصريحات إعلامية الخميس الماضي، مشيرا إلى أن “المشروع يكتسي أهمية بالغة لأنه يعزز مبدأ الأمن الغذائي للبلاد”، ليثني على المشروع بقوله “مثل هذه الإنجازات الحيوية تعد مثالا آخر عن ثمرة الجهود المبذولة على المستوى الحكومي الرامية لتكريس مبدأ تحقيق الأمن الغذائي”.
“استيراد بذور الخضر مستقبلا ممنوع”
وفي شرحه لمزايا الأمن الغذائي ووجوب تحقيقه على المدى المتوسط، شدد الوزير الأول على ضرورة وقف استيراد بذور الخضر ابتداء من السنة المقبلة، داعيا إلى تحسيس كل المتعاملين في الفلاحة بأنه سيتم توقيف استيراد بذور الخضر ابتداء من العام المقبل.
ولا يمت القرار المعلن بوقف استيراد البذور بصلة الى نقص الأموال أو تقشف.
وتحدث بن عبد الرحمان عن وقف إهدار الطاقات الجزائرية، خاصة وأن المعاهد والجامعات تكوّن عددا هائلا من الطلبة في التخصصات الفلاحية، والاشتغال بجد للحد من الاستيراد، لاسيما أن القيمة الإجمالية لواردات القطاع الفلاحي في الجزائر تتعدى 11.5 مليار دولار.
إجراءات مماثلة
قبل أيام، أعلنت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، قرارا يلزم مُنتجي القمح والشعير دفع محاصيلهم الى تعاونيات الحبوب والبقول الجافة، الموزعة في ولايات الجمهورية، ضمانا هذه المواد الأساسية، وهذا تطبيقا لما جاء في قانون المالية التكميلي 2022، ليكون هذا القرار رافعة أخرى تُضاف لإجراءات عديدة اتخذت ولم تتخذ من أجل الإفلات من التبعية نحو الخارج.
وأكدت وزارة الفلاحة على أهمية هذه التعاونيات باعتبارها “إحدى الآليات الضرورية لتطوير شعبة الحبوب والبقوليات، في إطار التجسيد الميداني، لسياسة الدولة التي ترمي إلى تعزيز الأمن الغذائي وتقليص التبعية للواردات، وأكدت الأولوية المطلقة التي تم منحها لتحقيق الأهداف الحيوية لبلوغ الفعالية وتحسين الإنتاجية ورفع كميات الحبوب المدفوعة لدى تعاونيات الحبوب، ومن بين هذه الإجراءات ذكر التمويل “قرض التموين، قرض الرفيق، المرافقة التقنية وتوفير البذور المعتمدة إضافة إلى مدخلات أخرى”.
وليس بعيدا عن الخطوة ذاتها، أمر رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، يوم 13 مارس الماضي، بمنع تصدير كلّ ما تستورده الجزائر، من منتجات استهلاكية، مثل السكر والعجائن والزيت والسميد، وكلّ مشتقات القمح، في حين وزيرَ العدل بإعداد، مشروع قانون، يُجرم تصدير المواد، غير المُنتجة محليا، باعتباره عملا تخريبيا، للاقتصاد الوطني.
واستهدف هذا الإجراء تحقيق الأمن الغذائي قبل كل شيء، لأنه تزامن مع الوضع المتأزم في أوكرانيا بسبب العمليات العسكرية الروسية فيها، إضافة إلى تصدير المواد الأساسية إلى الخارج، يخدم يشكل كبير الأجانب لأنها تستفيد من الدعم المالي الموجه لهذه المواد من قبل الدولة في الجزائر مع استهداف ضمان الوفرة في السوق الداخلية.
ممثل الفلاحين يدعو لإنشاء معاهد فلاحية جهوية
من جهته، يدعو الأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، عبد اللطيف ديلمي، إلى إنشاء معاهد فلاحية في كل تراب الجمهورية، تكون مهمتها تدعيم “بنك البذور” ببذور متنوعة للمساهمة في المخزون الخاص بهذه الشعبة الاستراتيجية.
ويوضح ديلمي، في اتصال هاتفي مع “الشعب أونلاين”، أن هذا الاقتراح سيدعم بشكل كبير “بنك البذور” الذي دشن الخميس الماضي، حيث ستعمل هذه المعاهد الجهوية على تصنيع بذور خاصة بالمناطق المتواجدة فيها، وبهذا “يتم التخلص بشكل تدريجي من التبعية للخارج الذي يعد الهدف الرئيس من إنشاء بنك البذور”.
ويستحسن ممثل الفلاحين استحداث “بنك البذور”، لأنه يعد من المطالب التي “دائما ما رافع عليها الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين منذ سنوات، لأن تصنيع بذور محلية يجعلها تتأقلم مع طبيعة الجزائر بشكل عام، ما يوجب على البذور أن تكون مهيئة، معالجة وطبيعية”.
ويسترسل عبد اللطيف ديلمي: “هذه البذور يجب أن تتلاءم مع مناخ الجزائر من الشمال للجنوب ومن الشرق إلى الغرب، لهذا يجب تربية البذور في المستقبل ولا يجب أن نعتمد على الخارج التي تختلف نوعيتها من سنة إلى أخرى”.
ومن أهم البذور الإستراتيجية التي يتوجب على الوصاية العناية بها والسعي إلى تصنيعها، يقول محدثنا: “نجد القمح الصلب والقمح اللين والشعير والخرطال والحبوب الجافة مثل البقوليات فصولياء وعدس، وبذور أخرى بغرض التخلص من الخارج ومجابهة أي طارئ عالمي كما هو عليه الوضع حاليا بسبب الأزمة الأوكرانية”.
وفي جواب حول إن كانت هذه الخطوة ستساهم في تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في شعبة الحبوب، يلفت أمين عام اتحاد الفلاحين، إلى أن كل “إجراء في هذا الاتجاء ستكون له نتائج ايجابية وستعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي يعد أهم شيء على المدى القريب بغرض الإفلات من التبعية الغذائية للخارج”.
ويضع ديلمي “بنك البذور” في خانة الإجراءات المساهمة في تقليص فاتورة الاستيراد في هذا المجال، ويساهم مع قرار وزارة الفلاحة بإيداع الفلاحين منتجاتهم إلى تعاونيات الحكومة بالولايات في الوصول هدف التقليل من ميزانية الاستيراد والنجاة من مقصلة التبعية.