لا جدال.. الحق في الحياة هو حق الجميع دون حسابات اللون والعرق والانتماء الديني أو الأيديولوجي، وحتى الموقف أو الرّؤية، والعالم برمّته مقتنع أن الحريّة حق إنساني، ما دامت تدرك، وتعي، أنّها لا تعتدي على حريّة الآخر، تماما مثلما هو مقتنع بأنّ «العنف» مرفوض بجميع أشكاله وألوانه، فهو مضادّ للحق في الحياة، وهو لا يولّد إلا العنف.
وليست هذه القناعات، بحاضنتنا، منتجا للحضارة الجديدة، ولا مستخلصة من تراتبية قيمها، وإنّما هي راسخة في أخلاقنا، متجذّرة في سلوكنا، بل هي العنوان المشرق لحضارتنا، فنحن لا نتجرّأ على النيل مما يَعبُد غيرنا، خوفا على الآخر من الوقوع في المحظور بغير علم؛ ذلك لأنّنا نعترف بحريّة الآخر في اعتقاده، ونعترف له بحقّه في الاختلاف، وحريّة رأيه.
ولقد هالنا أن يتحوّل فعل فرديّ معزول إلى حدث عالمي، تتبعه حملة إعلامية مضادة لكثير من الناس الغافلين عن الصّراعات الأيديولوجية السّاذجة، بسبب حماقة ارتكبها أحدهم، قيل إنّه التزم بـ (فتوى) قديمة، دون أن يذكروا بأنّ تلك الفتوى لا تلزم إلا صاحبها، ولا يتحمّل أعباءها إلا من عمل بها، بل إن هناك من أطلق العنان لقريحته كي يدقّ طبول الحرب على ما وصفه بـ (الظلامية الحاقدة)، قبل أن يصدر المحقّقون رأيهم في القضية، وقبل أن يعرف دوافع المأساة وأسبابها وخلفياتها.
إنّ تجربتنا المريرة مع الإرهاب، طوال عشرية سوداء، تتيح لنا التفريق بين من يستهدف الإنسان، لمجرّد كونه إنسانا ذا رأي أو موقف، وبين الأفعال المعزولة التي لا تعبّر إلاّ عن مرتكبها، كما تتيح لنا الكشف عن ملامح محترفي الصّيد في المياه العكرة، ممّن تعوّدوا على تكرار الخطابات النّمطية القديمة، المضادّة لأمّة تعتبر الحق في الحياة قيمتها العليا..