حيلة طريفة صارت متداولة بين عدد من الخبازين، تتلخّص في استفسار بريء للغاية، يطرحه الخبار على الزبون بمجرد طلب حاجته، فيخيره بين «الخبز العادي» و»خبز السميد» و»خبز الحليب» وأنواع أخرى كثيرة بينها ما يزينه (السانوج) أو ما يعجن بـ (النخالة)، حتى إذا طلب الزبون خبزا عاديا، أي الخبز الذي يباع بسعر رسمي معروف، يتردد الخباز قليلا، ثم يعتذر موضحا أن ما حضر من «العادي» تم استيفاء بيعه، ولن تكون الحصة التالية منه جاهزة إلا بعد ساعتين أو أكثر، وهنا يجد الزبون نفسه مضطرا إلى الرضوخ للأمر الواقع، والاختيار من الأنواع الأخرى التي تتضاعف أسعارها، بحكم أنّها من النوعية الرفيعة، المفيدة للصّحة، والعجيب أن الخبازين ممن يعتمدون هذه الحيلة الطريفة، يصلون بالزبون – دائما – إلى «فضيلة الاعتذار»، وحتى إن قرّر الزبون أن ينتظر ساعتين كاملتين، فهو لن يسمع سوى كلمة (اخْلاصْ)، وإذا قدّر له أن يجد «العادي»، فإنّه سيشتري حتما نوعا من الخبز شبيها بالرداءة (حاشا نعمة ربي)..
ولا يضع الأذكياء من الخبازين في حسبانهم، أن في زبائنهم من لا يمتلك القدرة على رفاه (السّانوج)، ولا على الاستمتاع بطراوة (الحليب)؛ ولهذا يركّزون على الأغلى، ولا يمنحون عنايتهم الكاملة إلا لما يتجاوز الأسعار الرسمية، ظنا منهم أن (الرّبح) يتحقّق بالتّلاعب على النّاس، وأن الناس من حولهم يغفلون عن هذه الحيل الصّغيرة..
على كل حال، ما زال بيننا كثير من الخبازين يشتغلون لأجل توفير الخبز للناس جميعا، ويوفّرون الخبز العادي و(غير العادي) في الوقت نفسه، وينالون من بركات عملهم ما يجعلهم أفضل حالا ممّن يسارعون إلى الإثراء على حساب الناس، وينسون أن (الرزق على ربّي)..