ستكون ست بلديات من ولايتي بجاية وتيزي وزو معنية بانتخابات جزئية تجري منتصف أكتوبر المقبل تسمح لمجتمعها المدني والمحلي التعبير عن خياراتهم السياسية في سياق وضع آخر قاطرة على سكة الحوكمة المحلية، ;استكمالا لانتخابات محلية اختار فيها الناخبون ممثليهم في إطار ديمقراطية تشاركية ومن أجل إفراز تمثيل حقيقي للمجالس البلدية والولائية.
تقاطعت آراء مختصون وأحزاب تحدثوا إلى “الشعب”، في تأكيد أهمية ورمزية هذا الموعد الانتخابي خاصة وانه يتزامن مع الدخول الاجتماعي، ما سيعطيه بعدا وزخما سياسيا وثراء من خلال نقاش قوي بين المجتمع المدني والمحلي والطبقة السياسية حول التنمية المحلية الرقم المفتاح لمخططك الإنعاش الاقتصادي، بالإضافة الى قانون البلدية والولاية الجديد.
رهان ورمزية
في تصريح لـ “الشعب”، اعتبر أستاذ القانون العام بجامعة الجزائر 1 احمد دخينيسة الانتخابات الجزئية فرصة ولحظة سياسية، بالرغم من أنها جزئية تجرى على مستوى ست بلديات فقط، لأن البعد والرهان والرمزية السياسية التي تميزها كبيرة، بالنظر الى أنها خطوة حقيقية تأتي في سياق احترام مبدأ أساسي متمثلا في انتخاب هيئات محلية واحتراما للامركزية، بالإضافة الى للمشاركة السياسية للمجتمعين المدني والمحلي.
الى جانب كونها من الأحداث ذات البعد الوطني، وهو ما يعطيها زخما وكثافة حتى وان كانت عملية صغيرة، لكنها ذات بعد سياسي كبير، خاصة مع إعلان الأفافاس مشاركته فيها لإعطائه إياها، بعدا محليا يتعلق بالحوكمة المحلية المبنية على احترام الانتخابات وآراء المواطنين وخياراتهم السياسية لضبط ممثليهم المحليين، وبعدا وطنيا يرتبط بانتخابات جزئية ستكون بمثابة تجديد في الحياة السياسية.
رمزية هذه الانتخابات الجزئية أكبر من مداها المرتبط بست بلديات فقط، فالبعد، والمغزى، والمعنى والرهان وطني بالنظر الى تحدّيات التنمية المحلية.
فرصة للمجتمع المحلّي والمدني
عن الانتخابات الجزئية بالنسبة للمنطقة، قال أستاذ القانون العام، إنها فرصة للمجتمع المحلي والمدني في البلديات الست المعنية بهذا الموعد أن يعبروا عن خياراتهم الوطنية، ومن شأنها أن تظهر تجدد العمل السياسي في إطار الانسجام والوحدة الوطنية، وبالتالي أكبر رمزية ورهان بغض النظر عمن سينجح فيها هي المشاركة وإجراؤها في ظروف عادية، مؤكدا أنها ناجحة مسبقا من جهة احترام الموعد الانتخابي، ولكل ما هو محلي ولا مركزي.
أما فيما يرتبط بالبعد الوطني، أكد دخينيسة أن الانتخابات الجزئية، ستبين اندراجها في إطار التنمية الوطنية حيث تفضي الى حوكمة جديدة، خاصة في مجال التنمية التي تجعل من المواطن، محورها الأساسي بتركيزها عليه من خلال معيشته الواقعية واليومية، ولن تكون مجرد شعارات نظرية وعقيمة.
وعن مشاركة الأحزاب فيها، أوضح المتحدث أنها ستعطي الموعد الانتخابي الزخم والأهمية التي تليق به، إلى جانب إظهارها مدى التنوّع السياسي، خاصة وأن كل الأحزاب الوطنية أعلنت مشاركتها سواء “الأفافاس” أو الأحزاب الأخرى. بالإضافة الى البعد الاقتصادي التنموي، فالانتخابات المحلية الجزئية ستسمح للبلديات المعنية باستئناف التنمية.
دخول اجتماعي بزخم سياسي
عن تزامنها مع الدخول الاجتماعي، بعد تحديد تاريخ 15 أكتوبر لإجرائها، قال دخينيسة، إنها ستعطي زخما في الحياة الوطنية وديناميكية وحركية سياسية جديدة، فالجزائر مقبلة على تحديات كبيرة ستعطي المواطنين فرصة لمناقشتها وبحثها، لأن الانتخابات ومن خلال الحملة الانتخابية ستثير نقاشا كبيرا حول التنمية المحلية، على ضوء وجود قانوني بلدية وولاية جديدين يأخذان بعين الاعتبار الصعوبات المرتبطة بتخلف بعض المناطق من حيث خصوصيتها التنموية.
لذلك، سيكون تزامنها مع الدخول الاجتماعي فرصة لإثارة كل هذه المشاكل التي تواجه المجتمع المحلي ما يجعلها تنسجم معه، لأنه الى جانب كونه دخولا اجتماعيا، مدرسيا، جامعيا ومهنيا، ستعطيه الانتخابات البعد المحلي لمسار التنمية الوطنية.
وجزم بأن تنظيمها يعطي الدخول الاجتماعي بعدا سياسيا وتنمويا خاصة بالنسبة للمناطق الصعبة كالجبلية التي تعاني نوعا من التقهقر التنموي بحسب المتحدث، حتى يتم التكفل بها من حيث طبيعتها وخصوصيتها الجغرافية والصعوبات التي تعترض التنمية فيها، وبأن تكون بمعايير التنمية الوطنية في جميع المجالات سواء التمدرس أو التنمية الفلاحية، واستطرد دخينيسة، قائلا: إن “قانون المناطق الجبلية سيجعل المشاريع التنموية المحلية أكثر تجسيدا لمخطط الإنعاش الاقتصادي،” لذلك يمكن القول إن الموعد الانتخابي القادم هو فرصة لتجديد النقاشات حتى تكون مثمرة من أجل الوصول الى خلاصات متجددة.
استكمال البناء المؤسسّاتي
قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية سمير محرز، مع الإصلاحات السياسية التي قادها رئيس الجمهورية الذي فتح يده لكل فعاليات الشعب الجزائري من منظمات ونقابات وجمعيات وكفاءات وطنية في مسعى بناء مؤسسات الجمهورية، بدءا من انتخابات المجلس الشعبي الوطني والتعديل الدستوري والانتخابات المحلية، وصولا الى تنصيب الهياكل والمؤسسات والهيئات الاستشارية، حان الوقت للأحزاب السياسية اليوم من أجل استكمال الانتخابات الجزئية ببجاية وتيزي وزو من خلال الدعوة للانتخابات، ما اعتبره الأستاذ فرصة مهمة من أجل استرجاع مكانتها السياسية في المشهد العام، فيما يرى انه الدور المنوط بالأحزاب قائم على انتقاء واختيار الكفاءات السياسية والاجتماعية المحلية قصد رفع نسبة المشاركة.
إضافة لذلك، أكد محرز ضرورة انخراط الاحزاب السياسية عموما في المشهد السياسي العام، من خلال إنجاح هذه الانتخابات وتقديم خطاب عقلاني هادئ بعيدا عن الشعبوية والسياسوية، كون التحديات والرهانات المقبلة كبيرة جدا خاصة فيما يتعلق بالانخراط في مسعى رئيس الجمهورية من أجل انجاح مقاربة لمّ الشمل الوطني بعد اتمام البناء المؤسساتي بغية التوجه نحو إقلاع اقتصادي ورفاه اجتماعي حقيقي.
بدوي: تحضيرات على قدم وساق
عن تحضيرات الأحزاب لخوض غمار الانتخابات الجزئية، قال النائب عن حركة البناء الوطني تميم بدوي، إن الحزب اتخذ قرار المشاركة في كل الانتخابات المحلية ومن ضمنها الانتخابات الجزئية القادمة المزمع عقدها في الـ 15 أكتوبر القادم، لذلك شرع الحزب في اتصالات مكثفة مع مناضليه في البلديات المعنية، وفي هذه المناطق بصفة عامة.
أما فيما يتعلق ببعض المناطق التي لا يملك فيها الحزب مناضلين بالنظر الى صعوبتها، أكد أن الحزب يعتمد على العلاقات والروابط العائلية لإيجاد مناضلين له فيها. ونحن في المرحلة الأخيرة لمسار الحزب في التحضيرات فهناك الكثير من المواطنين والمناضلين انخرطوا في الحزب بعد متابعتهم لمسار الحزب وتصريحات رئيس الحركة وبعض النشاطات التي قامت بها حركة البناء الوطني مؤخرا كتنظيمها 8 جامعات صيفية.
وبصفة عامة ـ أضاف يقول ـ من خلال شبكة توسع الحزب نحاول التواجد في كل البلديات المعنية بالانتخابات الجزئية، فمثلا في إحداها ببجاية استطعنا التواجد فيها بقائمة انتخابية لحركة البناء الوطني وكذا في البلديات الأخرى.
وعن تزامن الحملة الانتخابية مع الدخول الاجتماعي، قال بدوي ان الحزب سيضع الخطة المناسبة لها، بحيث يختار التوقيت المناسب وما يناسب الظرف الحالي الذي تعيشه البلاد بصفة عامة والبلديات المعنية بالاقتراع المحلي بصفة خاصة وما تحتاجه من تنمية محلية، لذلك سينشط الحملة الانتخابية عند انطلاقها أبناء المنطقة، بحضور القيادة الوطنية والفاعلين السياسيين والنواب عن الحركة، وخلص إلى القول إن النواب سيشاركون بتفعيل وتنشيط الحملة الانتخابية بالبلديات الست.
العودة إلى السكة
يذكر ان رئيس الجمهورية استدعى بموجب المرسوم الموقع يوم 17 جويلية الماضي الناخبين بالبلديات مسيسنة، فرعون، توجة، آقبو بولاية بجاية وآيت حمود، بومهدي بولاية تيزي وزو للانتخابات المحلية الجزئية لتشكيل المجالس المحلية، فيما حدد نفس المرسوم فترة المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية التي جرت ما بين 20 و28 جويلية 2022.
وأعلمت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في بيان لها المواطنات والمواطنين وكذا الأحزاب المعتمدة الراغبة في الترشح أو تقديم قوائم ترشح، للانتخابات الجزئية أنها ستجرى بنفس التدابير التنظيمية والإجراءات التي تنص عليها الأحكام المتضمنة في القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات ساري المفعول.
وطبقا للتعليمة الموجهة إلى منسقي السلطة المستقلة بولايتي بجاية وتيزي وزو، فبالنسبة لاستمارات اكتتاب التوقيعات الفردية، يجب على قائمة المترشحين المقدمة سواء تحت رعاية حزب سياسي أو بصفة مستقلة، أن تدعم بعدد من توقيعات ناخبي الدائرة الانتخابية المعنية، حيث يتوجب الحصول على 260 توقيع في حالة ما إذا كان المجلس الشعبي البلدي به 13 مقعدا و 300 توقيع إذا كان به 15 مقعدا و805 توقيع إذا كان به 23 مقعدا.
بينما تنتهي آجال إيداع استمارات اكتتاب التوقيعات لاعتمادها من قبل القاضي رئيس اللجنة البلدية لمراجعة القوائم الانتخابية “اثنى (12) ساعة، على الأقل، من انتهاء الأجل المخصص لإيداع قوائم الترشيحات، أي يوم 25 أوت القادم على الساعة منتصف النهار”.
وتعتبر الانتخابات الجزئية المقبلة خطوة أخرى على طريق مسيرة بناء المؤسسات الشرعية للدولة، فبعد الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر 2019، ثم تعديل الدستور في 2020، فإجراء انتخابات تشريعية في 12 جوان 2021 ثم انتخابات محلية في نوفمبر من نفس السنة، لتأتي الانتخابات الجزئية لاستكمال بناء الهياكل القاعدية لإطلاق تنمية محلية حقيقية.
وستساهم هذه الانتخابات في استئناف التنمية المحلية المرتبطة بوجود مجالس شعبية ومداولات الهيئات المنتخبة، فبالرغم من تسيير البلدية من طرف مندوب لكي لا يحدث انسدادا، إلا أن الانتخابات بمثابة عودة إلى السكة الحقيقية للمجالس الشعبية المحلية والمهام المسندة إليها في التنمية المحلية.
خطوة مهمة تدخل في إطار ترسيخ الديمقراطية التشاركية، حتى يكون لمواطني البلديات المعنية بالعملية تمثيلا على المستوى المحلي سواء كانت بلدية أو ولاية، إلى جانب أنه من حق الولايتين المعنيتين بإجرائها (بجاية وتيزي وزو) أن يكون لهما ممثلين على المستوى القاعدي، حتى تكون لهما قبعة مزدوجة، من جهة، تمثيل المواطنين على مستوى البلديات والولاية، ومن جهة أخرى، المشاركة الفعلية في تحقيق التنمية المستدامة على المستوى المحلي.
لذلك سيكون الهدف من مشاركة الأحزاب والناخبين هو التمركز حتى تكون لها مكانة على المستوى القاعدي لهذين الولايتين، ويرى المختصون أنّ الحظوظ هي نفسها بالنسبة لكل الأحزاب تقريبا، فيما يمنحون الأفضلية للقوائم الحرّة.