لا ينبغي أن يمر يوم المجاهد الأغر، دون أن نقتبس من أنواره ما يضيء أيامنا، ويسدّد خطانا، ويستعيد لنا ما يمكن أن نكون قد أضعناه أو أهملناه في خضم الحياة ومعتركاتها، أو ما نسيناه في زمان ما يسمى (الحضارة الجديدة) التي فرضت علينا سلوكات (تيكتوكية) هجينة، ومعاملات (فايسبوكية) رديئة، وكثيرا من السخافات المستوردة، انسحبت على يومياتنا، وصارت أمرا واقعا يجب التعامل معه وفق مقتضياته، وليس وفق ما يقتضي المنطق السليم.
ولم نعرف عن المجاهد الجزائري سوى تكبيرة قوة يطلقها سامية راقية، وكلمة حق يقولها مجلجلة، وأخلاق عالية تجعل الموت أيسر في عينيه من القبول بالدّنية في كرامته، وظل كما عرفناه، وفيّا لمبادئه، عزيزا بمواقفه، لا تسمع منه الشانئة، ولا وترى منه غير سموّ الانسان، ولا شكّ أنّنا اليوم في أمسّ الحاجة إلى استحضار المعاني السامية التي تأسست عليها ثورتنا المظفّرة، وجعلها المجاهدون حقائق تسير بين الناس، وهم يسطرون أروع الأمثلة عن الفكّر النيّر، والهمم العالية، وروح الفداء.. نحن في أمسّ الحاجة إلى مدرسة ثورتنا المجيدة، كي تستعيد لنا الوعي بخطورة المسؤولية التي نتحمّلها جميعا، دون استثناء، من أجل الحفاظ على أمانة الشّهداء..
إن الجندي الساهر على حماية الثغور، والشّرطي الذي يحمي الأمن، ورجل الحماية المدنية الذي يقتحم الأخطار كي ينقذ الأرواح، والدارس في مخبره، والطالب في مكتبته أو في قسمه، وآخرون كثيرون يقومون على واجباتهم كما ينبغي القيام عليها، إنّما اقتبسوا من خلق المجاهد وسماحته وصفاء روحه، وآمنوا برسالة الإنسان، وليس يجدر بنا أبدا أن نسمح لبعض مستلبي منصّات التواصل الاجتماعي كي يمرّروا صورا لا تليق بعظمة هذا الوطن..