أكد الأخصائي في الأمراض المعدية، بمستشفى بوفاريك بالبليدة، الدكتور عبد الحفيظ قايدي، في حوار مع «الشعب»، أن ظهور سلالات جديدة لفيروس كورونا قد تكون أخطر من السلالة المنتشرة حاليا أمر وارد وغير مستبعد بالنظر إلى طبيعة هذا الفيروس دائم التحور والتغير.
هذا ما يستدعي اتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة والتحضير المسبق لمواجهة التهديدات والمخاطر المحتملة.
“الشعب”: ما مدى خطورة الموجة الحالية من الوباء وموعد الدخول الاجتماعي لا يفصلنا عنه أسابيع قليلة؟ وهل هناك احتمال لظهور متحوّرات جديدة فتاكة؟
د.عبد الحفيظ قايدي: لا تشكل الموجة الحالية من الوباء خطرا كبيرا، وجميع المؤشرات توحي بعدم خطورتها نظرا لعدم وجود حالات صعبة ووفيات، إلا أن المشكل يكمن في حال ظهور سلالة جديدة بعد المتحور المنتشر حاليا والتي قد تتزامن مع الدخول الاجتماعي والمدرسي، وتكون التهديدات والمخاطر أكبر، مما يستدعي إتباع إجراءات استباقية لمواجهة المتحورات الجديدة، من بينها ضرورة العودة للتلقيح والالتزام بالقواعد الوقائية للحد من انتشار الفيروس.
إجراءات استباقية مرتقبة لمواجهة المتحوّرات الجديدة
ونتوقع في هذه الحالة أن تكون هناك قرارات جديدة تتخذها الحكومة بالتنسيق مع الأطباء والمختصين وأعضاء اللجنة العلمية المكلفة بمتابعة ورصد وباء كورونا، علما أن موسم البرد تنتشر فيه الفيروسات بشكل أكبر وقد تطرأ على فيروس كورونا تغيرات في فصل الخريف والشتاء، ولكنها تبقى مجرد احتمالات والأحرى أن نستمر في متابعة ومراقبة جديد المتحورات مع التحضير المسبق لمواجهتها.
ونذكر أن كافة القرارات المتخذة من قبل السلطات المعنية فيما يخص الإجراءات الوقائية والاحترازية المعمول بها في إطار مكافحة تفشي وباء كورونا في البلاد، أعطت نتائج حسنة وساهمت الى حد كبير في تجنب مخاطر صحية تتعلق بانتشار هذا الفيروس الذي لديه قدرة فائقة في التحور والتغير لم تحدث مع الفيروسات الأخرى وجعل الخبراء والعلماء في حالة ترصد دائم.
ما تقييمكم للوضع الوبائي الحالي على ضوء عدد الإصابات اليومية بفيروس كورونا؟ هل هناك مؤشرات توحي بدخولنا في موجة خامسة؟
الإصابات بفيروس كورونا سجلت مؤخرا تصاعدا يوميا، قبل أن تبدأ في انخفاض الأيام، هذا الأسبوع، ولكنها تكاد تخلو من الخطورة، إذ يمكن القول إن الموجة الخامسة التي نعيشها حاليا من الوباء مختلفة تماما عن الموجات السابقة من حيث خصائص الفيروس المنتشر الأقل عدوى وخطورة من المتحورات الأخرى، والدليل أننا لحد الآن لم نسجل حالات خطيرة تستدعي الدخول لمصالح الإنعاش، وهو ما يؤكد أن الوضع الوبائي الحالي مستقر ومريح، كون أغلب الحالات التي يتم تشخيصها تظهر علامات خفيفة تشبه أعراض الأنفلونزا الموسمية بينها الحمى والسعال والتهاب الحلق وآلام في الرأس والتي تزول في ظرف أقصاه 5 أيام.
ولكن بالرغم من عدم خطورة المتحور المنتشر حاليا «بي إي 5» الذي يطغى على الإصابات المسجلة، إلا أن الحذر يبقى مطلوبا لتجنب مخاطر محتملة ترتبط بظهور متحور جديد، نظرا لما يتميز به فيروس كورونا من قوة كبيرة في التغير والتحور والتي لم نرها في جميع الفيروسات الموجودة، زيادة على أن الانتشار السريع للفيروس وكثرة الإصابات التي أيضا تنتج عنها عدم القدرة على السيطرة على الوضع الوبائي خاصة في حال امتلاء المراكز الاستشفائية بالمرضى لعدم تكرار سيناريو الموجات السابقة، فخطورة الفيروس المتحور تكمن في سرعة انتشاره وتفشيه على نطاق واسع وصعوبة التحكم في الوضع.
كيف هو الوضع في المستشفيات؟ هل تم تحويل مصالح إضافية للتكفل بمرضى كورونا؟
المستشفيات تعيش حالة ارتياح لحد الآن، وجميع المصالح الطبية تؤدي عملها بشكل عادي، ولم يتم تحويل عدد كبير من المصالح للتكفل بمرضى كوفيد، كما حدث في موجات سابقة بل تم تخصيص مصلحة إضافية لاستقبال المصابين بالفيروس ونذكر مستشفى بوفاريك الذي خصص له وحدة تتضمن 12 سريرا موجهة لعلاج مرضى كورونا، في حين أن أغلب الحالات التي قام بتشخيصها الطاقم الطبي بهذه الوحدة لا تتطلب الاستشفاء، وإنما يستفيد المرضى من فحوصات عادية على أساسها يقدم الطبيب المعالج وصفة طبية لهم ليتابعوا العلاج خارج المستشفى.
ولكن تم تسجيل حالة واحدة صعبة، علما أن الفئات الهشة ممن يعانون من نقص في المناعة كالمسنين والمصابين بالأمراض المزمنة على غرار داء السكري وأمراض القلب وارتفاع الضغط الدموي، هم الأكثر عرضة لمضاعفات الإصابة بفيروس كورونا بالرغم من عدم خطورته. فالاستقرار في الوضع الوبائي يمكن أن يكون مؤقتا وغير دائم، مما يستدعي الاستمرار في اتخاذ الاحتياطات وتجنب التراخي والاستهتار بالوضع الصحي من خلال التعايش مع الوباء بحذر ووعي أكبر.
هل ينبغي انتهاج سياسة جديدة لإقناع المواطنين بالإقبال على التلقيح؟
مررنا بمراحل صعبة في موجات سابقة من فيروس كورونا، خلفت العديد من الوفيات وكان عمال الصحة مجندون للتكفل بجميع المرضى، بالرغم من التعب الشديد والمخاطر التي تعرضوا لها أثناء تأدية مهامهم، كونهم تواجدوا في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء، لذلك علينا أن لا نكرر ما عشناه من مأساة من قبل، ونبقى في حالة ترصد بحذر واتخاذ الإجراءات الوقائية التي تمكننا من التصدي لمخاطر ظهور سلالات جديدة من الفيروس، قد تكون أخطر من المتحورات السابقة، لأن كل الاحتمالات واردة.
وبالتالي فإن مواجهة مخاطر انتشار فيروس كورونا تقتضي العودة للتلقيح لتعزيز المناعة والوقاية من مضاعفات الإصابة بالفيروس لاسيما لدى بعض الفئات التي تعاني من نقص في المناعة، إذ أن الكثير من المرضى الذين تتطلب حالتهم الاستشفاء والدخول لمصالح الإنعاش بسبب الإصابة بفيروس كورونا تتعلق بالأشخاص المصابين بأمراض مزمنة، ولكنهم لم يتلقوا جرعات اللقاح التي تساهم في الوقاية من مضاعفات المرض على هذه الفئة، كون اللقاح يوفر لهم حماية مناعية تمكنهم من تجنب مخاطر الإصابة بالفيروس.
ونتأسف لأن الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا كانت ضعيفة بالرغم من الإمكانيات المتاحة والحملات التحسيسية المكثفة لإقناع المواطنين بأهمية تلقي جرعات اللقاح ولكننا لم نتمكن من بلوغ الهدف المنشود في تحقيق نسبة عالية من الملقحين لاكتساب مناعة جماعية والقدرة على مواجهة المخاطر والتهديدات المرتبطة بانتشار الوباء، وذلك لعدة أسباب من بينها نشر معلومات خاطئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أشخاص غير مؤهلين علميا للحديث عن اللقاح، وهو الأمر الذي جعل الكثير من المواطنين يتخوفون من التلقيح، ولكن مع مرور الوقت أثبتت اللقاحات فعاليتها ضد مخاطر الفيروس وسلامتها أيضا والضرورة تقتضي انتهاج سياسة جديدة للعودة بقوة إلى التلقيح، تحسبا لأي طارئ واستعدادا لمواجهة مخاطر انتشار الفيروس.