ظاهرة الطوابير أمام الموزعات الآلية للنقود، صارت تنتشر بشكل عجيب، وصرنا نرى الناس ينتظرون أدوارهم في الوصول إلى الموزع، دون حاجة إلى أرقام تثبت الأسبقية، ولا إلى حراس يفرضون النّظام، فالأمر يسير بطريقة رائعة، ولا تجد مطلقا من يحتجّ أو يغضب، ولا حتى من يحسّ بالغبن، كما كانت الحال في طوابير البريد أو البنوك، أو المؤسسات الأخرى التي يفرض قضاء المصلحة بها طابور انتظار.
وقد يكون واضحا، أن «الموزع الآلي» لا يثير غضب أيّ كان، لأنّه يشتغل وفق برمجة واضحة، فهو لا يتلكأ في التعامل مع هذا، لأنه يرغب في تسريع رغبة ذاك، وهو لا يبتسم هنا، ويكشّر هناك، بل إنه لا يتوقف عن العمل وقت الغداء، ولا يهرب مطلقا من مكان عمله، تماما مثلما لا يدّعي – في ساعة العسرة – أنّ الشّبكة انقطعت، وإنّما يقدّم دليله على انقطاعها، فإن قام بواجبه نال الرضا، وإن لم يقم به قدّم العذر الصّريح؛ ولهذا كلّه، تجد الطوابير منتظمة، والأعصاب هادئة، والقلوب مطمئنة، فالناس جميعا يدركون بأن «الموزع» عادل في التعامل مع الناس، ولا يفضل أحدا بسبب (معريفة) قديمة، ولا يحابيه بسبب (مصلحة) مرجوّة، فالأمر – أوّلا وأخيرا – برنامج، يتلقى المعلومات ويعالج الطلبات ولا يرجو جزاء ولا شكورا..
والحق أن الإجراءات التي اتّخذتها مصالح الدّولة، في جميع القطاعات، من أجل تجاوز الحواجز البيروقراطية، وتسهيل حياة الناس، جاءت بثمراتها وحققت منافعها، فقد نسي كثيرون أعباء طوابير البلديات، منذ أعلنت وزارة الداخلية عن نهاية (فرض المصادقة) على الوثائق، وصارت الوثائق البيومترية تطلب مباشرة من موقع الوزارة، دون الحاجة إلى تضييع الوقت في التنقل، وهذه من ثمرات التكنولوجيات الحديثة، ولسنا نشكّ مطلقا أن الآتي أفضل..