لا نعرف أين انتهى النقاش حول «المهن الشاقة»، وإن كانت «المهن» فيما نرى، كلها تهب المشقة كاملة لمن يمتهنها، ويحرص على أداء واجباتها كما هي مقتضياتها. غير أن «المشقة» نفسها تمنح نوعا من السعادة حين يقابلها الجزاء، فيكون المقابل المالي الذي يُحسب لصاحبها، تعبيرا عن «اعتراف» صغير، حتى وإن لم يكن مساويا للجهد..
غير أن هناك مهنة، في أوطاننا العربية عامة، تبقى وحدها المهنة الأشق، فهذه لا يتلقى ممتهنها مقابلا جزاء جهده، وإنما يحتاج إلى ممارسة مهنة شاقة أخرى، كي يصرف على حظه من مشقّة المهنة الأولى، لأن هذه المهنة الأشقّ لا تقنع أحدا بأن يدفع مقابل ثمراتها، بل إنها لا تقنع حتى بالجهر بكُليْمَة ثناء أو شكر، حتى إن كانت منتجاتها غاية في الأهميّة؛ ذلك لأنّ «أهميّتها» لا يمكن إثباتها إلا بـ”مشقة”..
كل المهن، إذن، شاقة لذاتها، غير أن مهنة «الكتابة»، مشاقّ بعضها فوق بعض، وتقتضي جهد التحصيل، ثم تقتضي جهد مشقة المهنة الموازية لـ”الفوز” بمشقّتها، ثم تتطلّب مشقة الاطلاع، وكلّ هذه مشاقّ مركبّة لا يمكن فصل واحدة عن الأخرى، ومع ذلك، تذهب الجهود ركاما، وتبقى الأعمال نهبا للغبار، لا تجد من يقول لها «أحسنت» ولا «أسأت»، ولا يبقى أمامها سوى مناسبات معدودة، ينتبه فيها المجتمع إلى (نوع) من الناس يحرق أيامه في تقديم عصارة جهده، بالمجان، بل يدفع من جيبه ثمن تقديمها، فيُقال: عندنا كتّاب، مثلما للأمم الأخرى كتّاب..
ما جدوى أن يكون لدينا كتّابٌ مثل بقية الأمم، ونحن ندفع للجميع كي ننال خدماتهم، بينما نستخسر في الكاتب خبز يومه؟! ولماذا تستضيف القناة التلفزيونية (مثلا) المطرب والمشعوذ وما شاء الله ممّن تحتاجهم، فتدفع لهم، حتى إذا وصلت إلى الكاتب تتعامل معه كأنّها تصرف عليه؟! هذا سؤال يستحق الإجابة في رأينا..