لم نعد نشك أن فكرة وجود «مؤثرين» على منصّات التّواصل الاجتماعي، لا تعدو كونها «أسطورة» يصطنعها «المؤثر» أو «المؤثرون» الحقيقيون على أنترنيت، وهؤلاء ليسوا أفرادا معدمين، ولا أذكياء موهوبين يمتلكون هواتف بسيطة، وبعض الأدوات الصغيرة، وإنّما يمثّلون مؤسسات عالمية، تعتمد مناهج عمل دقيقة، وتعرف (عزّ المعرفة) كيف تستغلّ الواقع المعيش بأساليب احترافية، وتشتغل على تمرير رسائلها بعيدا عما تروج له الأسطورة من أحاديث عن «الهاتف البسيط» والإمكانات المحدودة، والانتشار الوهمي الذي لا يمكن أن يمرّر حيله إلا على من يكون مستعدا استعدادا نفسيّا تاما للوقوع في فخاخ التّواصل الاجتماعي..
وقد يبدو حديثنا هذا عن «التأثير» في حقول التواصل، بعيدا عن الواقع، ولكن كل من يتابع الفيديوهات القصيرة على «يوتيوب» أو «فايسبوك»أو «تيك توك»، سيلاحظ حتما أن هناك منظومة قيم معينة، تتكرر بصيغ متعددة، ووجوه مختلفة، وسيناريوهات غاية في الإتقان، تمارس ضغوطا ناعمة على «المتلقي» كي يذعن لـ»القيمة» ويتبناها راضيا، بل قد يتفاعل معها، ويعبّر عن إذعانه المطلق، معتقدا بأنه يقدم الإضافة التي تحتاجها «القيمة»..
نعم، هناك بعض التافهين ممن يحظون بمتابعة أعداد لا بأس بها من رواد النت، ولكن هؤلاء يعتمدون على ما يسمى «الثالوث المحرم»، وهم في معظمهم يركزون على الفاحش من القول، أو «السخيف» من الصور، ما يعني أن «الانتشار» الذي يحظى به هؤلاء، ظرفي، ويمكن أن يحقق لهم مكاسب معينة في زمن محدود، ولكنهم لا يمكن أن يبلغوا درجة «التأثير»، أي درجة «تغيير» تراتبية القيم، أو ترسيخ وجهة نظر، أو تعميم رأي، وعلى هذا، تبقى نشاطاتهم مجرّد لهو ولغو، يمكن لـ»المؤثر» (الحقاني) أن يستغلّها كما يحلو له، فـ»العلم» يرفع بيتا لا عماد له، على رأي الشاعر..