الجريمة المنكرة، بمنطقة الصومعة، أثارت، بحر الأسبوع الجاري، المواجع من جديد وجدّدت الحديث عن «التدهور الأخلاقي» الذي نعيش في يومياتنا، دون أن تختلف الآراء التي تتكرّر مع كل جريمة جديدة، فهي تندّد وتستنكر، مثلما هي مقتضيات العادة، ثم تستذكر تلك اللاّزمة الأثيرة التي يسلّم أمامها الجميع، ومفادها أن السبب المباشر للجرائم ليس سوى «التّخلي عن القِصاص»، وأن الحل الوحيد أمام استفحال جرائم القتل، لا يمكن أن يكون غير «الإعدام»، بما هو جزاء يوافق مستوى الجرم.
ولسنا نريد أن نناقش مسألة «الإعدام» و»القصاص» في مساحة صغيرة مثل هذه، ولكننا نرغب في التنبيه إلى أن نخبنا العالمة والعارفة، غائبة تماما عن الواقع المعيش، بل إنها لم يخطر لها على بال، منذ سنوات طويلة، أن تساهم في معالجة «ظاهرة الجريمة» رغما عن أذاها الذي استفحل على المستوى الاجتماعي، وهو ما جعل المواضيع المعقّدة التي تقتضي كثيرا من الحكمة، مجرد أحكام إطلاقية يجترّحها أيٌّ كان، وفق زاوية النّظر التي يعتقد أنها تمثل الحلّ النهائي للأوجاع الاجتماعية، وهو ما يتكرّر مع كل جريمة جديدة، دون التّوصل إلى شيء ينفع في التّخلص من الظاهرة.
ونعتقد أن الأمر بلغ مستوى لا يمكن تجاهله ولا السكوت عنه، خاصة وأن خلافات بسيطة صارت تنتهي إلى ساحات النّزال، وتُحدث كوارث صادمة، وهذا يفرض على النخب البحث في الأسباب التي تحرّك ظاهرة انتشار الجريمة، واقتراح ما ينبغي اتّخاذه من الإجراءات التي تكفل محاصرتها، وتضييق الخناق عليها، قبل التساؤل عن جدوى «القصاص»، إذ ليس تنتفع الضحية شيئا بعد وقوع المحظور، حتى لو يعدم الجاني ألف مرّة؛ ولهذا، ينبغي التحرك سريعا من أجل القضاء على أسباب الجريمة، وليس الانشغال بمآل المجرم، فهذا شأن يختصّ به القانون وحده..