لقيت مبادرة «سلسلة أعلام الفكر الجزائريين» التي أطلقتها دار «الوطن اليوم»، استحسانا وترحابا كبيرين في الأوساط الثقافية الوطنية، فهي تقدّم الأعلام الجزائريين، بأسلوب مبسّط للغاية، يكفل للساحة المعرفيّة استعادة ما أغفلناه، في خضم الحياة، من فتوحات فكرية عظيمة، وأعمال فلسفية جليلة حققها أبناء هذا الوطن، في زمن صعب للغاية، لتكون معالم يسير على هديها الباحثون، ومنارات تعتزّ بها الأجيال الجديدة.
ولم نشكّ مطلقا بأن مبادرة «دار الوطن» ستحقق ما ينبغي لها من نجاح؛ ذلك أن المشرفين عليها، من أمثال الكاتب كمال قرور، والباحث المقتدر الدكتور فارح مسرحي، وضعوا للمشروع ما يكفل له أداء وظيفته على مستويات مختلفة، وجعلوه في شكل «كتاب جيب» لا يتعدّى سعره المائتي دينار، ليكون في متناول القراء جميعا، وتعمّ فوائد مادته الدسمة التي تختصّ بالكبار من المفكرين الجزائريين على غرار مولود قاسم نايت بلقاسم، مالك بن نبي، محمد بن شنب، حمودة بن الساعي، عبد الرحمن بوقاف، محمد أركون، وغيرهم ممن أعلوا صرح الفكر ببلادنا، ومنحوه من عميق رؤاهم، وحصيف نظرهم، ما بوّأه مكانته السّامية في معارج الفكر الإنساني، وجعله قاعدة انطلاق لكل إسهام جديد في الجهد الفكري العالمي.
ونعتقد أن مثل هذه المبادرات الشجاعة، المستندة إلى قراءات واعية بالواقع المعيش، هي التي ينبغي أن تحظى بالعناية؛ ذلك أن رهان الثقافة على التّحوّل إلى مساهم فعلي في التنمية، إنّما يمرّ عبر جهود العارفين المخلصين للفعل الثقافي، ولا مكان فيه لـ»أطروحات وهمية» تتأسّس على تناقضات صارخة، كمثل التي تعوّدنا عليها، ولم تخرج منها ساحة الثقافة بحقّ ولا باطل.. الرهان إذن، يبدأ بوضع القوس بين يدي باريها، فلم يعد في الساحة متسع لـ»الهواة»..