الحديث عن «الإصلاحات» و»المراجعات» أو «تصحيحات» مفترضة، في أي حقل من الحقول العلمية أو العملية، ليس سلبيا أبدا، ولا هو مما يثير «الدهشة»، لأنه يمثل الحالة الطبيعية للحياة برمتها، بل إنه يمثل الجانب الإيجابي، والدافع الحقيقي لسيرورة التطور في التاريخ، فليس يعقل أن يكتفي الانسان بمنظومة معيّنة في شكلها الأصلي، دون أن يضيف إليها، أو يعدّلها وفق مقتضيات الواقع المعيش؛ ذلك أن كلّ منظومة – مهما كانت – تؤدي وظائفها كاملة في مدى زمني معيّن، لا يمكنها أن تتجاوزه إلا عن طريق الإصلاح والمراجعة.
والحق أننا لسنا في حاجة إلى إقامة البرهان على هذا، فالمتعارف عليه بين الأمم، أن «الإصلاح» حالة دائمة؛ ولهذا لا تنطوي عشرية حتى نجد المكتبات تعجّ بالكتب التي تسائل جدوى حقل معرفي معيّن، أو تراجع أداء مناهج البحث، لتتحوّل الأفكار المطروحة إلى ورشات عمل حقيقية تنتهي إلى تقديم الإضافات الضرورية، ومن ذلك – على سبيل المثال – ما طرحته مجلة Philosophie الفرنسية في عددها الأخير، بخصوص المنظومة التربوية الفرنسية التي تحتاج إلى «إصلاح أخلاقي»، وهذا يعني صراحة أنّ ما نراه «تقدّما» أو «تطوّرا» إنّما هو كذلك بسبب النّقاش الذي يثيره حول نقائصه المفترضة، ومخرجات النّقاش التي تنتهي إلى إضافات لها دورها الفاعل في ضمان فعالية المنظومة وأدائها الجيّد.
الإصلاح والمراجعة إذن، ليسا وقفا على مرحلة تاريخية بعينها، وإنّما هما ضمانة الأداء الأفضل، وضمانة الدينامية المرجوّة من كلّ قطاع، وكلّما كانت المساءلة حصيفة، تكون الثمرات يانعة، والنتائج مبهرة، وهذا بالضبط ما نتوسّم من الورشات الواسعة التي تشهدها بلادنا في مختلف القطاعات، ومنها العمل على تحيين منظومة الإعلام، كي تؤدي وظيفتها باقتدار في زمن فرض تغييرات معتبرة على الواقع المعيش.