لن نختلف إذا قلنا إن أصل تميّز «المدينة» يعود إلى طابعها العمراني، وأساليب هندستها، وجماليتها الخاصة التي تلقي إلى كلّ من يزورها بشيء من روحها، يحضنه، وشيء من نسائمها، يناغيه، وعبق من تاريخها وأصالة أهلها يبعث في نفسه الراحة والاطمئنان، وقد تتوحّد ألوان المباني والعمارات، لكن لمسة الجمال في كلّ واحدة منها مختلفة، حتى إن الواحد من الزّوار يحسّ بالرّوح العبقري الذي يسيّر طبيعة العمران، ويمنح «المدينة» معناها الأسمى الذي تتأسس عليه.
ولقد ظلّت «المدينة» الجزائرية على مدار التاريخ مؤسسة على مبادئ للعمران متعارف عليها، وظلت حافظة لتقاليدها الرّاسخة في البناء، وهذا ما يمكن التّوصل إليه بمجرّد شرح بسيط لآثار مدينة «أشير»، وما تبقى من مدينة «القصبة» ومدينة «سيرتا»، ومدائن أخرى كثيرة تحدّثت عن عبقرية العمران الجزائري، غير أن واقع العولمة، والزمن السريع، لم يعد يأبه للجانب الجمالي، وإنّما يركّز على التطاول في البنيان دون حساب للمنظر العام، فأنتج مكعّبات أسمنتية متراكمة، تشترك جميعها في الطوابق الأرضية التي لا يمكن أن تكون إلا مستودعات بأبواب حديدية شاهقة، أما إذا حظي البناء بعناية مهندس فنان، فإن العادة صارت تقتضي أن يكون محاطا بأسوار عالية تشوّه المحيط بشظايا الزّجاج الملوّن والأسلاك الشائكة، فيكون العمل الفني احتكارا حصريا لما وراء السّور..
ولا نحابي أيّ مؤسسة إذا قلنا إن البناءات العمومية وحدها تعتني بالجوانب الجمالية، وتخضع للشروط التقنية للعمران، غير أن العمارات التي يتسلمها السّكان في أبهى حلّة، لا تلبث إلا قليلا حتى تضيّع مناظرها الجميلة، سواء بتهاون مسيري العمارات، أو بتخاذل السكان أنفسهم، وهذا أمر يستدعي المعالجة قبل أن يقضي على معنى «المدينة»..