وجه فاعلون انتقادات لقانون الأحزاب السياسية لسنة 2012، آملين أن يحمل القانون العضوي الجديد المنتظر صدوره هذه السنة في إطار الإصلاحات التي جاء بها الدستور الجديد مزيدا من الحريات ويرفع العراقيل والصعوبات أمام تشكيل الأحزاب ويسعى إلى تطهير الحياة السياسية من الدخلاء وفصل العمل السياسي عن العمل الجمعوي.
نهاية عهد المال الفاسد و”الكوطة” و”تغوّل” الأغلبية الحزبية
ينتظر الشارع السياسي إصلاحات في القانون العضوي رقم 12- 04، المتعلق بالأحزاب السياسية المؤرخ في سنة 2012، وفق أحكام المادة 140 من الدستور، والتي تؤكّد وُجوب تكييف قوانين عضوية في مجالات الإعلام، الانتخابات والأحزاب والقضاء وغيرها مع روح دستور 2020.
وتلخص التغييرات المنتظرة في القانون العضوي للأحزاب السياسية المادة 57 من الدستور، حيث ورد فيها أهمّ الأحكام التي يتقيد بها المشرع خلال إعداد القانون العضوي للأحزاب الجديد، منها التعامل مع الجهات الأجنبية والحفاظ على استقرار الوطن وهوية الشعب، حيث تنصّ على “ حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به ومضمون” كما “لا يجوزُ تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي”.
فصل الحياة السياسية عن العمل الجمعوي فرز التشكيلات الجماهيرية وأحزاب السجلات تجارية
وتضيف المادة أنه “لا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات السياسية والقيم والمكونات الأساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية وأمن التراب الوطني وسلامته واستقلال البلاد وسيادة الشعب وكذا الطابع الديمقراطي والجهوي للدولة”.
و لا “يجوز للأحزاب السياسية اللّجوء إلى الدّعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة”. ويضيف المصدر ذاته “تضمن الدولة معاملة منصفة تجاه كل الأحزاب السياسية”. و«يُحظر على الأحزاب السياسية كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية”.
وحدد الدستور أنه “لا يجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتها أو شكلها”، أضف إلى أنه “يجب على الإدارة أن تمتنع عن كل ممارسة تحول بطبيعتها دون ممارسة هذا الحق، ولا تُحل الأحزاب السياسية إلا بمقتضى قرار قضائي”. و«يُحدد قانون عضوي كيفيات إنشاء الأحزاب السياسية، ويجب أن لا يتضمن أحكاما من شأنها المساس بحرية إنشائها”.
وأضافت ذات المادة “ لابد من أن تصبح مسألة الاعتماد إدارية وفق شروط، لتبقى مسالة الحريات تتصل بالأمن والنظام العام، كما تتصل بالأشخاص المعنيُين داخل التشكيلات السياسية، حيث من الممكن التحفظ من قبل مؤسسات أمنية على مسؤولي التشكيلات السياسية، لوجود سوابق وأحكام قضائية تجرّدهم من حقوقهم السياسية، لذلك لابد من إقرار اعتماد الحزب فيما بعد”.
في هذا الإطار، أكد عضو مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي أبو جرة سلطاني أن القانون العضوي للأحزاب السياسية المنتظر، سيكون وفق الدستور الجديد الذي فتح عهدا جديدا للحياة السياسية وأتاح للمعارضة حقوقا إضافية، كما أعطى صلاحيات واسعة للأحزاب السياسية بما في ذلك المعارضة الى درجة أنه وضع احتمال أن حزبا معارضا قد يفوز بالأغلبية، فيكون من حقه تشكيل حكومته وتطبيق برنامجه.
المشهد السياسي
وأضاف أبو جرة في اتصال مع “الشعب”، “مادام الدستور قد فتح هذه الآفاق للمجتمع السياسي فمن الضروري أن تظهر منظومة قانونية تواكب هذا التطور المتكامل وتستدرك أخطاء الماضي ، والمنتظر ليس مجرد قانون لتنظيم الحياة السياسية، إنما هو “قانون عضوي” ينظم المشهد السياسي برمته ويضع المعالم الكبرى للنشاط الحزبي التي تجعل الفرق واضحا بين من ينشط في حزب سياسي ومن يعمل في تشكيلة مجتمع مدني ( جمعية، نقابة، اتحاد، نادي..)، ومن المنتظر أن يوازي هذا قانون خاص بالجمعيات والمجتمع المدني.
وأبرز عضو مجلس الأمة أن القانون المنتظر سينظم بشكل شفاف مختلف العمليات السياسية والحزبية والانتخابية ويساهم في فرز الأحزاب التي تنشط في الساحة الوطنية ولها قواعد جماهيرية ومناضلون وبرامج وطموح سياسي، وبين الأحزاب التي تستعمل اعتماداتها “سجلات تجارية” للارتزاق خلال الحملة الانتخابية أو عند الأزمات، كما ستؤطر منظومة القوانين الحياة السياسية في البلاد، بما فيها حرية التجمع وطرق الاحتجاج بقانون عضوي يحدد الشروط والكيفيات.
وحسب المنتحدث، فإن المنتظر من القانون العضوي المقترح أمران أساسيان، الأول جعل نهاية لما كان يسمى بـ “حزب الأغلبية” أو أحزاب الأغلبية بغير مناضلين ولا تأثير في الحياة السياسية للوطن مقابل أحزاب الأقليات أو ما يعرف لدى الشعب الجزائري “بالسنافر” وهي الأحزاب الضعيفة، لأن الكلمة سوف تكون للشعب الذي يملك وحده الورقة الانتخابية التي بها يرفع تشكيلة سياسية يراها قادرة على إعطاء نفس قوي للحياة السياسية أو تقديم البديل نحو مستقبل أفضل في مجال التنمية والاستقرار والرفاه الاجتماعي، وتأخير تشكيلات أخرى عاشت حينا من الدهر على نظام المحاصصة “ الكوطة” وفق تعبيره.
معالجة العزوف الانتخابي
أما الأمر الآخر ــ حسب أبو جرة ــ فهو جعل حد للمال السياسي الفاسد الذي كان سببا في انهيارات كبرى زهّدت الكتلة الناخبة خلال العهد البائد، الذهاب إلى صناديق الاقتراع لممارسة حقها الدستوري في التصويت لقناعتها أن الأمر محسوم قبل التصويت، مضيفا “ مما جعل العزوف عن التصويت هو القاعدة بدل أن يكون الاستثناء.
وحول سؤال متعلق بدور الإدارة في العملية السياسية، أكد المتحدث ذاته أن الإدارة مسهل للعملية والمراقب والمهيئ للوسائل التقنية التي تساعد الأحزاب على أداء أدوارها، ولن يكون لها أي دخل في العملية السياسية التي أوكل أمر تنظيمها والإشراف عليها إلى سلطة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات، فبعد تجربة طويلة صار من حق الشعب اختيار ممثليه بكل سيادة.
مزيد من الحريات والشفافية وتكافؤ الفرص
من جهته ، أكد القيادي في حركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش في تصريح لـ«الشعب “ أن المنتظر من مشروع قانون الأحزاب السياسية، مزيد من الحريات والشفافية وتكافؤ الفرص وحياد مؤسسات الدولة اتجاه الأحزاب السياسية وخاصة في المنافسات الانتخابية.
وأضاف “من ذلك الحق الدستوري والحرية الكاملة في تأسيس ونشاط الأحزاب السياسية بعيدا عن الرقابة الإدارية القبلية”.
وفي ذات السياق، شدد حمداداوش على توفير البيئة السياسية والقانونية والإدارية لأخلقة العمل السياسي والحزبي والاعتماد على الأحزاب السياسية في العملية الديمقراطية والمنافسة النزيهة في تحقيق التنمية عبر الإرادة الشعبية.
تعديل قانون الأحزاب استكمال للإصلاحات
من جهة أخرى، تحتاج مواد من قانون الأحزاب الى التعديل، أبرزها تلك المتعلقة بمسالة التمويل التي يراها بعض المختصين تحتاج الى ضبط ودقة أكثر، بالإضافة الى إشكالية تبعية الجمعيات والمجتمع المدني للأحزاب، ومن الأمور التي تحتاج الى تعديل في هذا القانون الإجراءات لإنشاء الأحزاب السياسية التي تحتاج الى تبسيط، حسب ما يراه موسى بودهان أستاذ القانون الدستوري .
تنتظر قادة وأحزاب السياسية بشغف كبير تعديل القانون العضوي الخاص بالأحزاب السياسية والذي يندرج في إطار استكمال الإصلاحات السياسية، فثمة مسائل لا بد من ضبطها قانونيا لتحديد المسؤوليات، كما هو الأمر بالنسبة لـ« الخلط “بين العمل السياسي والجمعوي وحتى النقابي، حسبما صرح به بودهان لـ« الشعب “.
فصل العمل السياسي عن الجمعوي
وتبرز أهمية تعديل قانون الأحزاب وصدور القانون العضوي الجديد، لمعالجة الإشكاليات التي تطرحها الأحزاب، في عدة مسائل ـ حسب بودهان ـ منها مسألة التمويل، مما يجعل من الضروري ان يتم ضبط المادة المتعلق بذلك بدقة متناهية في قانون العضوي الجديد .
إلى ذلك، تطرح كذلك إشكالية ـ يقول المتحدث ـ تبعية الجمعيات والمجتمع المدني لبعض الأحزاب، مما يخلط العمل السياسي الحزبي مع العمل الجمعوي، وبالتالي لابد من الفصل من خلال القانون العضوي المعدل عن القانون 04_12 الخاص بالأحزاب ، خاصة وان هناك إرادة سياسية لتعديله.
وأوضح بودهان في هذا السياق، أن الأحزاب تختلف من حيث الهدف ، فهي لديها مناضلين ، وتسعى للوصول الى المؤسسات المنتخبة، بينما الجمعيات والمجتمع ليس لديها نفس الطموح ، بل يختلف تماما، ولذلك يرى المتحدث ان يكون هناك قانون عضوي خاص بالجمعيات يضبط مثل هذه المسائل .
وادي: ضبط وتعديل
من جهته، يرى استاذ العلوم السياسية احمد وادي ان قانون الأحزاب السياسية في الجزائر يحتاج إلى إعادة ضبط وتعديل من أجل معالجة الاختلالات الحاصلة والتي تتجلى في الواقع، بحيث انعكس ذلك على أداء وفعالية الأحزاب السياسية في الواقع.
ولفت في سياق متصل، أن المرحلة السابقة عرفت تزايدا في عدد الأحزاب السياسية المعتمدة في مقابل تراجع أداءها بشكل عام في الساحة السياسية، وقد تم ملاحظة هذا التراجع مؤخرا من خلال الانتخابات التشريعية والمحلية الأخيرة مقابل انتشار القوائم الحرة، وكان سبب ذلك تعديل قانون الانتخابات.
وأضاف المتحدث في هذا الصدد أن تعديل قانون الأحزاب السياسية أصبح ضرورة للتقليل من عدد الأحزاب السياسية غير الفاعلة في الساحة السياسية، وإعادة ضبط قانون يفتح المجال أمام الأحزاب السياسية المعتمدة في النشاط أكثر وضمان ممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية مع توفير التسهيلات لهذه الأحزاب للنشاط أكثر والمساهمة في التنمية السياسية.