بخلاف سنوات مضت، تُشكل السياسة العامة للحكومة، أولوية بالغة لدى السلطات العليا في البلاد، تجسيدا لمقاربة جديدة تتضمن توجهات ومحاور كبرى يُرجى بلوغها لتحقيق إقلاع اقتصادي وتُترجم نتائجه على أصعدة كثيرة.
قبل عرض مشروع بيان السياسة العامة للحكومة بالبرلمان، في الأيام القليلة المقبلة، حسب ما تنص عليه الشروط المنصوص في المواد 106 (الفقرات الأولى و3 و4) و107 و108 من الدستور، أسدى رئيس الجمهورية توجيهات لأعضاء الحكومة، تراعي مرتكزات النهوض باقتصاد البلاد، تماشيا ونموذج يقوم على تعزيز القدرات المالية بتوسيع مصادر دخل الخزينة العمومية خارج قطاع المحروقات.
توجيهات
ومن خلال توجيهات الرئيس تبون، في اجتماع مجلس الوزراء (الأحد المنقضي)، تتجلى أبرز محاور السياسة العامة للحكومة والتحديات المرفوعة، لاسيما ما يخص التوفيق بين تجسيد مشاريع اقتصادية نوعية تتطلب استثمارات ضخمة تعود بالفائدة على خزينة الدولة، وبين المحافظة على مكتسبات اجتماعية وضمان الالتزام المستمر بحماية القدرة الشرائية للمواطنين، وتحصينها من تداعيات ما تشهده الأسواق الدولية من تقلبات.
ووفقا لبيان اجتماع مجلس الوزراء، شدد الرئيس تبون على ضرورة أن “يراعي بيان السياسة العامة إستراتيجية الدولة، في النهوض بالاقتصاد الوطني، من خلال تعزيز قدراتها المالية، بتشجيع التصدير خارج المحروقات كموارد مالية جديدة، وترشيد النفقات الحكومية، فضلا عن التزام الدولة المستمر، بحماية القدرة الشرائية للمواطنين.”
إقلاع اقتصادي..
بعد استكمال الصرح الدستوري والمؤسساتي للبلاد، بات واضحا تعويل السلطات العليا على توفير متطلبات تحقيق إقلاع اقتصادي، انطلاقا من التكفل بكبرى الملفات الاقتصادية في إطار مقاربة جديدة، وهو ما أعلنه الرئيس تبون في ندوة الإنعاش الصناعي (نهاية السنة الماضية)، وأكد أن 2022 ستكون سنة اقتصادية بامتياز.
تركيز العمل الحكومي في هذا الاتجاه، مع بداية السنة الجارية، تُوج بمؤشرات وأرقام مشجعة، في النصف الثاني من سنة 20220.
في مجال التجارة الخارجية ارتفعت قيمة صادرات الجزائر إلى 25,922 مليار دولار خلال السداسي الأول من سنة 2022، أي بزيادة قدرها 48,3 بالمائة مقارنة بنفس الفترة لسنة 2021، منها 3,507 مليار دولار من الصادرات خارج المحروقات، أي بنحو50 بالمائة من الهدف المسطر لسنة 2022.
وسجل الميزان التجاري فائضا بالنسبة للسداسي الأول لـ2022 بـ5.689 مليار دولار بعد عجز في السداسي الأول لـ2021، قدر بـ1.348 مليار دولار، وبلغت نسبة تغطية الواردات بالصادرات خلال هذا السداسي 128.2 بالمائة مقابل 92.8 بالمائة خلال السداسي الأول لسنة 2021.
مؤشرات ومحاور
يرى متابعون، أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع، بالنظر إلى تركيز العمل الحكومي -وفقا توجيه الرئيس تبون- على مضاعفة أداء النشاط الاقتصادي وحث أعضاء الحكومة على تلبية تطلعات الجزائريين، بالنظر إلى حزمة تدابير وإصلاحات قيد التنفيذ، لاسيما تلك المتعلقة بالنصوص التطبيقية الخاصة بقانون الاستثمار.
ويربط الخبير الاقتصادي، نبيل جمعة، في اتصال مع “الشعب أونلاين”، محاور السياسة العامة للحكومة، في الفترة المقبلة بالملف الاقتصادي أساسا. ويرى أن تجسيد استثمارات ضخمة مثل مشروع غار جبيلات، وتوفير آلاف مناصب الشغل، والالتزام بمراجعة رواتب العمال، إضافة رفع قيمة الصادرات خارج قطاع المحروقات، يندرج في صلب برنامج العمل الحكومي.
ويشير المتحدث، أيضا، إلى أن ما تحقق في النصف الثاني من السنة الجارية يعد بمثابة معالم ترتكز عليها الحكومة في مواصلة محطة التشييد الاقتصادي، خصوصا مع تسجيل أولى مؤشرات تحسن قيمة الدينار مقابل الأورو والدولار بفضل الديناميكية الاقتصادية، وفق المصدر.
حركية اقتصادية
ومن ضمن التحديات الكبرى، حسب نبيل جمعة، المحافظة على الحركية الاقتصادية المسجلة هذه السنة وضمان تنافسية أكبر لاقتصاد البلاد، وهو ما ترجم بمؤشرات ايجابية لميزان المدفوعات وتجاوز عجز الميزان التجاري.
وينتظر من الحكومة، أيضا، مواصلة رفع العراقيل عن المشاريع الاقتصادية، وكل ما من شأنه التشويش على مناخ الأعمال، تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، وذلك بمواصلة سياسة الإصلاحات في مجالات الرقمنة، المالية، الضرائب،..الخ، والعمل على تمويل وإعادة تنشيط مشاريع شهدت ركودا في السابق، في مجالات حيوية مثل الطاقة، النقل، الصناعة..
في مجلس الوزراء الأخير، رئيس الجمهورية كان واضحا عندما حث أعضاء الحكومة، خصوصا الوزراء الجدد، “للعمل بكل جهد بما يخدم تطلعات المواطنين، خاصة وأن حجم التحديات، يتطلب الخبرة والفعالية والإخلاص واحترام المعايير”.