يرى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أن اعتماد يوم وطني للإمام يعد تكريما وعرفانا بقيمة الإمام في منظومتها الاجتماعية وتاريخها المشرق، لأنه المؤتمن على “تدين الناس وحامي قيم الأمة من محاولات المسخ، ومثل مجاهدا بالأمس ويدافع اليوم عن الوسطية والاعتدال رافضا لكل من يحاول تشويه صورتهما”.
قال الرئيس تبون، في كلمة بمناسبة اليوم الوطني للإمام تلاها وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي، اليوم الخميس، إن “ترسيم يوم للإمام اعتراف بمعاني الأصالة، حيث يقترن بوفاة أحد أعلام الجزائر الشيخ سيدي محمد بلكبير، وهو عنوان اعتراف بالفضل، فلقد كان الشيخ امتداد لسلسلة السند العلمي الشريف السائرون على مسار الأمير عبد القادر، وعبد الرحمن الثعالبي والإمام المقري وعبد الحميد بن باديس وغيرهم “.
وتابع : ” التقدير الذي يحظى به هؤلاء الأئمة الأعلام هو تأكيد لتمسك الشعب الجزائر بمرجعيته الدينية الوطنية وتعلقه بمن يخدم المساجد والمدارس القرآنية والزوايا وحواضر العلم والوقوف اليوم في هذه الرحاب الطاهرة التي تحتضن ضريح الصحابي الجليل سيدنا عقبة بن نافع ينبئ أن النسب العلمي والروحي به لم ينقطع، والأرض المباركة ستظل وفية لرسالة ديننا الإسلامي الحنيف الذي أذهب داء الفرقة وجمع على كلمة الخير، فحملوا رايته يبغون به الهداية للعالمين واسألوا تاريخنا عن القائد طارق والعالم “.
وأثنى رئيس الجمهورية بالتضامن والتكافل المجتمعي الذي أبان عنه الشعب الجزائري خلال الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد مؤخرا، مؤكدا أن تسلح المجتمع بروح التضامن ساهم في تجاوز أوقات صعاب.
من جهة ثانية جدد الرئيس التذكير بالمناسبة التي تحييها الجزائر والمتعلقة بالذكرى الستين للاستقلال، قائلا: “وكان ذلك الاستعراض الكبير الذي شهدته الجزائر في الـ 5 من جويلية صورة لروعة الجمال الذي يسكن هذا الوطن وتابع الجزائريون ما وصل إليه جيشنا الوطني الشعبي، وكانت الصورة القوية التي تشهد أن الجزائر الداعمة للسلم والحوار في كل مكان والواقفة مع القضايا العادلة في العالم أجمع تملك أيضا من قوة الردع ما يحفظ أمنها واستقراها”.
كما لفت الرئيس تبون إلى أن “الجزائر الجديدة التي استكملت بناء مؤسساتها، لا تزال في حاجة ماسة لجميع أبنائها لمواجهة التحديات الوطنية والدولية وهو ما يدعونا لمزيد من الجهد لتنشئة أبنائنا على قيمنا الحميدة مجددا الثقة في أسرة المساجد التي ستساهم بقوة بما توفره الدولة لها من رعاية للنهوض بمستوى أداء أفراد الأمة”.
وفيما يلي النص الكامل لرسالة رئيس الجمهورية بمناسبة اليوم الوطني للإمام، قرأها وزير الشؤون الدينية والأوقاف، خلال الاحتفالات الرسمية بهذه المناسبة، في ولاية بسكرة:
“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل، الجمع الكريم،
إِنَّه لَيوم مُبارك تَجتمعون فيه لإحياءِ اليوم الوطني للإمام، الذي اعتمدناه تكريمًا لـمقامِ الإمام ومكانتِه، وعرفانًا من الدولة بقيمة الإمام في منظومتـها الاجتماعية، وتاريخِها الـمشرق، فهو الذي أؤْتُمن على تَديُّن الناس وسلوكهم، وهو الذي حَمى – مع الـمخلصين من أبنائـها – قيمَ الأمة من مُحاولات الـمَسْخِ والتشويه، وَوقفَ – بالأمس – مع كلِّ أبناءِ الـمجتمع، مُجاهدًا يَذُود عن حِياضها، ويَقفُ – اليوم – مُدافعا عن الوسطية والاعتدال، مُتصدِّيًا لكلّ فكرٍ دخيلٍ يُشوِّه صورتَـها الناصعة، وهو في هذا وذاك يصطَفّ مع أبناء أمته ليساهم في بناء الوطن ونمائه.
إن ترسيمَ يومٍ للإمام هو عنوانٌ لـمعاني العرفان والأصالة والوفاء، واقترانَه بوفاة أحد أئمة الجزائر الأعلام، الذين تُسْتَلهَم من حياتـهم الحافلة العامرة العِبر، وتُؤخذ منها الأسوة والعِظات، الشيخ سيدي محمد بلكبير رحمه الله تعالى .. هو عنوانُ اعترافٍ بالفضل لأهله، فَلَقد كان الشيخ سيدي محمد بلكبير رحمه الله، امتدادا لسلسلة السند العلمي الشريف، الذي تطرّز بأمثال ساداتنا : الأمير عبد القادر، وأحمد التجاني، وسيدي أبي مدين الغوث، والـمغيلي، والأخضري، وعبد الرحمان الثعالبي، وابن باديس، واطفيش، والـمقري، وغيرهم من الأئمة الأعلام الذين تزخر بـهم صفحات التاريخ العلمي والثقافي في الجزائر، وفي كثير من البلاد الإسلامية التي امتَدَّتْ إليها أفضالهُم العلمية.
أيـها الحضور الكريم،
إنّ التقديرَ الذي يحظى به هؤلاء الأئمة الأعلام، ومن ورث علمهم الشريف في مختلف ربوع الوطن، هو تأكيدٌ لتمسّك الشعب الجزائري الأبيّ بمرجعيّته الدينية الوطنية، وتَعلُّقِه بخدمة من يَخدم الـمساجد والـمدارس القرآنية والزوايا والكتاتيب وحواضر العلم، انطلاقا من بيوت الله التي أخذتْ على عاتقها الوفاء الكامل لعهد الفاتحين، وتعيش ذكراهم كلما سنحت فرصة أو مناسبة، وما الوقوف اليوم في هذه الرحاب الطاهرة التي تحتضن ضريح الصحابي الجليل سيدنا عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه، إلاّ دليل وفاءٍ، يُنبئ أن نسبنا العلمي والروحي به لم ينقطع، وأن هذه الأرض كما احتضنت جثمانه الطاهر، ستظل وفية لرسالة ديننا الإسلامي الحنيف، الذي اختلجتْ بنوره صدور آبائنا، فآمنوا به .. بل أشربت قلوبـهم حبّه، كيف لا وقد أخمد عنهم الأحقاد والعصبيات، وأذهب عنـهم داء الفرقة والشتات، وجمعهم على كلمة الخير والصلاح، ثم إنـهم لم يضنوا به على الناس، فحملوا رايته بعد ذلك عن يقين راسخ يبغون به الهداية للعالـمين، واسألوا تاريخنا الـمجيد يحدّثْكم عن القائد الكبير طارق بن زياد كيف سرى، وعن العالم الـمصلح عبد الكريم الـمغيلي كيف دجا، وأمثالهم كثير.
أيـها الجمع الكريم،
لقد شاءت حكمة الله تعالى أن تنزل بوطننا في هذا العام أحداث وملمّات، لكنّ إيماننا العميق بالله تعالى، وصدقنا في التوجه إليه سبحانه، مكّننا من تجاوز تلك الـمحن والابتلاءات، حيث تسلح الـمجتمع كلُّه بروح التضامن والإخاء، فأسهم تكافلُنا الراقي في تجاوز أوقاتٍ صعاب، وزاد الأمة تلاحما وتراحما .. ولم تُثْـنِ تلك الظروف العصيبة بلدنا، عن إحياء الذكرى الستين لاسترجاع سيادته الوطنية، وهي فرصةٌ سانحة لتذكير أطياف الـمجتمع قاطبة والشباب منـهم خاصة، بتضحيات الآباء والأجداد وبطولات الشهداء والـمجاهدين، وكان ذلك الاستعراضُ الكبير الذي شهدته الجزائر في الخامس من جويلية الفارط، صورة لروعة الجلال الذي يسكن هذا الوطن، فقد تابع الجزائريون ما وصل إليه جيشنا الوطني الشعبي سليل جيش التحرير، في تلك الصورة القوية التي تشهد أنّ الجزائر الـمسالـمة الداعمة للسلم والحوار في كل مكان، الواقفة مع القضايا العادلة في العالم أجمع، تَملك من قُوةِ الدفاع والرَّدع ما يحفظ أمنَـها واستقرارها.
إنّ الجزائر الجديدة التي استكملت بناء مؤسساتـها، لا تزال في حاجة إلى جميع أبنائـها كلٌّ من موقعه، من أجل مواجهة التحديات الوطنية والدولية الحاضرة والـمستقبلية، وهو ما يدعونا إلى ضرورة بذل مزيد من الجهد والعمل لتنشئة بناتنا وأبنائنا على قيم الخير والنفع والتفاني في خدمة الوطن، والـتسلح بالعلم والـمعرفة، والآخذ بأسباب التطور والرقي.
ونحن على يقين أن أسرة الـمساجد ستُساهم بقوة بما توفر الدولة لها من إمكانات ورعاية وعناية، في النـهوض بمستوى أداء أفراد الأمة، وفاءً لعهد الشهداء الأبرار والـمجاهدين الأبطال.
الـمجد والخلود لشهدائنا الأبرار
تحيا الجزائر
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.”