على طريقة أفلام «الأكشن»، يستعرض شباب مهووس بقيادة الدراجات النارية مناورات الموت على مستوى الطرقات السريعة، غير آبهين بالرعب والذعر الذي يزرعونه في نفوس مستعملي الطرقات، ضاربين بذلك كلّ القوانين عرض الحائط، وكشفت تقارير أمنية عن تورط أصحاب الدراجات النارية في حوادث مرور خطيرة، وعمليات إجرامية مختلفة على رأسها تهريب المخدرات، لسهولة انسيابها وتسهيلها الفرار من قبضة الرقابة، ما جعل السلطات الأمنية تشدد الخناق على الدّراجين عبر مختلف الحواجز، وتسخير فرق لتوقيفهم ووضع حدّ لتجاوزاتهم.
تعرف طرقات المدن الكبرى اليوم، رقابة مشددة على أصحاب الدراجات النارية، تنفيذا لتعليمة المديرية العامة للأمن الوطني والسلطات القاضية برسم سياسة جزائية، خاصة نظير التصرفات المتهورة المتسببة في حوادث مرور خطيرة، تعرف منحى تصاعديا كبيرا، ناهيك عن دخول مستعمليها عالم الإجرام باستغلالها في الأعمال الإجرامية، مثل خطف حقائب السيدات، وسلب الهواتف النقالة، وتهريب المخدرات لسهولة انسيابيتها على مستوى الطرقات.
دراجات نارية تحت الرقابة
في خرجة ميدانية رفقة مصالح أمن ولاية الجزائر ممثلة في الأمن الحضري السادس، بشارع الشهداء، التابع لأمن دائرة سيدي امحمد، وقفت «الشعب» على حقائق مذهلة في الميدان، يصوغها أصحاب الدّراجات النارية.. كانت الساعة تشير إلى تمام الثالثة بعد الزوال، حين انطلقنا رفقة محافظ الشرطة أمال هاشمي، رئيسة خلية الاتصال والعلاقات العامة على مستوى أمن ولاية الجزائر، محافظ الشرطة جرار زهراء، مرفوقة بعناصرها الميدانية.
خرجة، كانت فرصة الاطلاع على مختلف الإجراءت التي تم اتخاذها من طرف المديرية العامة للأمن الوطني، من أجل الحدّ من التصرفات المتهورة لهؤلاء، وأساليب تحسيسهم وتوعيتهم بالأخطار المحدقة بحياتهم جراء إفراطهم في السرعة، وقيامهم باستعراضات بهلوانية، مؤكدة عليهم ضرورة أخذ الحيطة والحذر من أجل سلامتهم وسلامة غيرهم.
إجراءات أمنية وقائية وردعية تم فرضها بعد انتشار ظاهرة قيادة الدراجات النارية بمختلف أنواعها ومركباتها، وباتت تستهوي شبابا يرغب في قيادتها على طريقة الممثلين، وآخرين يعتبرونها وسيلة نقل مريحة، خاصة خلال السنوات الأخيرة التي عرفت فيها طرقات العاصمة زحمة مرورية كبيرة، بالشوارع الثانوية والرئيسة، لكن، في المقابل، استفحلت هذه الظاهرة وتنامت معها جرائم أخرى، منها البسيطة والمتوسطة.
ومن بين أهم المخالفات المرورية التي يقوم بها أصحاب الدراجات النارية على غرار السرعة المفرطة، عدم الحيازة على رخصة السياقة، ومختلف الوثائق التي تثبت الآلية، وكذا السياقة دون ارتداء الخوذة الواقية، دون الحديث عن الاستعراضات والمناورات الخطيرة التي يقومون بها على مستوى الطرقات، حيث أوقفت مصالح الأمن خلال خرجتنا الميدانية، شبابا ومراهقين بعضهم لا يحوز على وثائق الملكية، وآخرون مشتبه فيهم أو يقومون باستعراضات تثير الرعب في نفوس مرتادي الطرقات، حتى إننا شاهدنا من لاذ بالفرار من الحواجز الأمنية لتورطهم في جرائم مختلفة.
ولأن هذه المركبات تمتاز بسهولة الانسياب على الطرقات، باتت وسيلة للعمليات الإجرامية، وتنفيذ عدة جرائم واعتداءات، الأمر الذي استدعى السلطات الأمنية إلى التفكير في وضع حدّ لهذه الظاهرة، من خلال فرض إجراءات تنظيمية رقابية على مستوى الحواجز الأمنية، بغرض تفتيشها، والتأكد من حيازة مستعملها على الوثائق الرسمية الخاصة بها، خاصة ما يتعلق رخصة السياقة التي لا يمتلكها كثيرون، ناهيك عن الخوذة الإجبارية التي لا يكاد يستعملها إلا قليل، ولهذا عملت مصالح الأمن على الحد من التصرفات غير المسؤولة لأصحابها التي تؤدي في الغالب إلى وقوع حوادث مرور خطيرة.
وتشير الأرقام الرسمية لمصالح الأمن، إلى سير العديد من الدراجات النارية دون وثائق، ولهذا فرضت إجراءات صارمة ضد أصحابها، بقصد التحري عن هوية هذه المركبات ومصدرها الحقيقي.
نقل الممنوعات وسرقات بالخطف
وأكدت رئيس الأمن الحضري السادس بشارع الشهداء، محافظ الشرطة جرار زهراء، تسجيل مصالحها لمختلف التجاوزات من قبل أصحاب الدراجات النارية دون احترامهم لأدنى قوانين المرور، حيث كان لابد من القيام بحملة تحسيسية ردعية للتقليل من الحوادث التي قد تنجرّ عن هذه التصرفات غير المسؤولة لمستعمليها، وقد تكون سببا في وقوع حوادث مرور مميتة، كما تطرقت في حديثها إلى الشق الإجرامي، حيث أفصحت عن تورط عدد سواق الدّراجات النارية في نقل الممنوعات والسرقة بالخطف.
وتحرص محافظ الشرطة جرار، رفقة فريقها العامل بالميدان، على فرض مراقبة أمنية للدرجات النارية، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة تسجيل مخالفات مرورية، فهناك – تقول المحافظ جرار – مخالفات جزافية مصنفة من الدرجة الأولى الى الدرجة الرابعة، من ألفي دينار إلى خمسة آلاف دينار، بحسب الحالة، وفي حالة عدم تقديم أيّ وثائق إدارية، يتم تحويلهم الى الأمن الحضري المختص إقليميا لسماعهم على محضر رسمي، وعليه يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية وتحويل ملفات المخالفين إلى العدالة.
2351 مخالفة تتعلق بعدم ارتداء الخوذة
من جانب آخر، أكدت رئيسة خلية الاتصال والعلاقات العامة على مستوى أمن ولاية الجزائر، محافظ الشرطة أمال هاشمي، أن المديرية العامة للأمن الوطني، أطلقت هذا الأسبوع حملة وطنية تستهدف سائقي الدراجات النارية بمختلف أصنافها، تهدف من خلالها إلى التحسيس والتوعية من ظاهرة السلوكيات السلبية والخطيرة، وما يتبعها من إضرار بمستعملي الطريق العام والمساس بالسكينة العامة، على غرار السرقة بالنشل وحمل المحظورات وغيرها.
وسجلت مصالح أمن ولاية الجزائر – بحسب المتحدثة – مراقبة أكثر من 39428 دراجة نارية و3058 مخالفة مرورية، منها 2351 مخالفة تتعلق بعدم ارتداء الخوذة، منذ بداية السنة الجارية، علما أن مصالح أمن ولاية الجزائر، وضعت الأرقام الخضراء للمديرية العامة للأمن الوطني 15/48 الخاص بالتبليغات و17 خط نجدة وتطبيق «ألو» الشرطة للتبليغ عن أي تجاوز.
من جانبه، أكد ملازم الشرطة، سليم جلالي، رئيس فرقة أمن الطرقات بالمصلحة الولائية للأمن العمومي لأمن ولاية الجزائر، أن مصالحه تعمل على إيصال رسالة مرورية إلى كافة فئات ومستعملي الطريق، بمن فيهم سواق الدراجات النارية، وهي عملية نوعية من قبل مصالح الأمن الوطني الممثلة في أمن الحواضر، بالإضافة إلى فصائل الأمن العمومي من خلال المراقبة والمعاينة، والتي يتم على إثرها اتخاذ الإجراءات الميدانية في حق المخالفين.
ومن خلال الاتجاه الأول، قال ملازم الشرطة سليم إن مصالح أمن ولاية الجزائر تقوم بعملية تحسيسية توعوية تهدف الى غرس ثقافة مرورية لدى جميع السواق وجانب ثاني ردعي وقائي من خلال التدخل والمعاينة لضمان السكينة العامة بالنسبة للمواطن، حيث تم تسجيل في هذا الصدد مراقبة أكثر من 3500 دراجة نارية، منذ الفاتح من شهر سبتمبر الجاري تم على إثرها تحرير 498 مخالفة مرورية.
وأكد سليم أن مصالح الأمن تعمل في الاتجاهين الردعي والوقائي للحد من هذه الظاهرة، حيث يشمل الشق الوقائي في إطلاق أيام تحسيسية توعوية لفائدة هؤلاء الشباب، أما الردعية فتكمن في المراقبة الروتينية من خلال التأكد من الوثائق تتبعها إجراءات إدارية تأتي تبعا في حال تسجيل مخالفات وقد تم في هذا الصدد تحويل 500 دراجة الى أمن الحواضر 23 بالمائة، منها تم تحويلها الى المحشر.
حملة وطنية لمحاربة السلوكات السلبية
وكانت المديرية العامة للأمن الوطني قد أطلقت حملة وطنية، تستهدف سائقي الدراجات النارية بمختلف أصنافها ترمي إلى محاربة ظاهرة السلوكات السلبية الخطيرة وما يتبعها من أضرار لمستعملي الطريق العام والساكنة على غرار عدم إحترام قانون المرور والذي يتجسد جليا في عدم ارتداء الخوذة، السرعة المفرطة، السياقة دون وثائق، المناورات الاستعراضية، قيادة الدراجات النارية من قبل القصر والإزعاجات الصوتية الناتجة عن إدخال بعض الإضافات على محركات الدراجات، ناهيك عن بعض السلوكات التي لها علاقة مباشرة بأشكال الجريمة كالسرقة بالنشل وحمل بعض المحظورات.
وتهدف هذه الحملة الوطنية في مرحلتها الأولى، التي ستستمر إلى غاية 20 سبتمبر الجاري، إلى توعية هذه الفئة من مستعملي الدراجات للعدول عن هذه السلوكات السلبية والخطيرة قبل اللجوء إلى الأساليب القانونية الردعية وما يتبعها من إجراءات إدارية وجزائية صارمة ضد المخالفين كل بحسب مسؤوليته.
كما دعت المديرية العامة للأمن الوطني، جميع الفاعلين لاسيما الأولياء إلى المساهمة في محاربة السلوكات الخطيرة لسائقي الدراجات، حفاظا على سلامتهم وسلامة الغير.
مستعملو السيارات متذمرون
عبّر العديد من مستعملي السيارات في حديث مع «الشعب»، عن تذمرهم من طريقة قيادة الدراجات النارية على مستوى محاور الطرق السريعة أو الحضرية، حيث يقوم أصحابها باستعراضات خطيرة، تنشر الرعب والخوف في نفوسهم، من الاصطدام بها ناهيك عن السرعة الجنونية التي يتنقلون بها، والأصوات المرعبة التي يصدرونها، دون مراعاة لأدنى مقتضيات السلامة، ما ساهم في استفحال الفوضى والضوضاء على مستوى المحاور الكبرى خاصة.
وقال المواطن محمد إن الدراجات النارية باتت تكتسح طرقات المدن، لكنها، للأسف، لا تخضع إلى قوانين وضوابط، مثمنا الحملة التي تم إطلاقها لفائدة هؤلاء الذين وجب تقييدهم بارتداء الخوذة واحترام قانون المرور والتقليل من السرعة المفرطة تفاديا لحوادث قد تنهي حياتهم وحياة غيرهم.
كما كان لنا حديث مع عدد من أصحاب الدراجات النارية ممن لمسنا في بداية حديثنا معهم هوس في سياقتها، حيث أكدوا عشقهم لهذه المركبات، ورغبتهم في امتلاك أجود العلامات وسياقتها على طريقة الأفلام، غير مكترثين للسرعة الجنونية التي يقودونها بها، همهم الوحيد الاستمتاع والترويح على النفس من خلال القيام باستعراضات ومناورات على مستوى الطرق السريعة حيث يستغلون فرصة تواجدها شبه فارغة.
وتبقى ظاهرة انتشار الدراجات النارية بالجزائر، تشكل إحدى النقاط السوداء بالنسبة لتنامي حوادث المرور، حيث شهدت الجزائر في الآونة الأخيرة ارتفاع عدد حوادث المرور بسبب استعمال السرعة المفرطة وعدم احترام هذه الفئة لقانون المرور، حيث عرفت الظاهرة انتشارا مخيفا في الآونة الأخيرة تزامنا وحركة الازدحام التي تفرض على المواطنين التنقل بأبسط الطرق.