حظي ملف الذاكرة الوطنية خلال السنوات الأخيرة باهتمام بالغ من قبل السلطات العليا للبلاد بالنظر الى دوره في تربية النشء وربطه بأمجاد وطنه من جهة وإرساء دعائم جزائر جديدة مرتكزة على رصيد تاريخي ثري.
ويتجلى هذا الاهتمام في مواصلة توثيق شهادات المجاهدين والمجاهدات بغية صونها من الاندثار بالاعتماد على مختلف الوسائط التكنولوجية المتاحة في الوقت الحالي من صورة وصوت وأفلام وثائقية وسينمائية ونشاطات أخرى متنوعة.
وتجسيدا لهذه الأهداف، أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، مباشرة بعد انتخابه على رأس البلاد في 12 ديسمبر 2019، بأن مسألة الذاكرة “واجب وطني مقدس لا يقبل أي مساومة، وسوف يظل في مقدمة انشغالات الدولة لتحصين الشخصية الوطنية وفي صميم الوفاء لشهداء ثورة نوفمبر المجيدة والمجاهدين الأخيار”، مبرزا بالقول :”إننا لن نتخلى عن ذاكرتنا أبدا، ولن نتاجر بها”.
وجدد التأكيد في مناسبات أخرى “حرصه الشديد” على التعاطي مع ملفات التاريخ والذاكرة، “بعيدا عن أي تراخ أو تنازل، وبروحِ المسؤولية، التي تتطلبها المعالجة الموضوعية النزيهة، وفي منأى عن تأثيرات الأهواء وعن هيمنة الفكر الاستعماري الاستعلائي للوبيات عاجزة عن التحرر من تطرفها المزمن”.
وخلال اجتماع مجلس الوزراء لـ19 جوان الماضي، أوصى الرئيس تبون في اطار اهتمامه بالتاريخ الوطني وصانعيه ب”منح الذاكرة مكانتها اللائقة بأبعادها الوطنية، وذلك ببعث المسابقات ذات البعد الوطني في الأوساط التربوية لترسيخ الروح الوطنية بطريقة بيداغوجية، بالتنسيق بين وزارات المجاهدين والتربية والتعليم العالي والتكوين والثقافة”.
وقد توج هذا الاهتمام وهذه الإرادة بالعديد من المكاسب من بينها قرار رئيس الجمهورية بترسيم تاريخ الثامن ماي يوما وطنيا للذاكرة، تخليدا لذكرى 45 ألف شهيد سقطوا طلبا للحرية والاستقلال في سطيف وقالمة وخراطة ومدن أخرى من الوطن، في واحدة من أبشع جرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر.
وتم ترسيم الوقوف دقيقة صمت، سنويا، عبر الوطن، ترحما على أرواح شهداء مجازر 17 أكتوبر 1961 بالعاصمة الفرنسية باريس في خطوة تهدف إلى تثمين تضحيات أبناء الجالية الجزائرية بالمهجر ومساهمتهم في استقلال بلادهم.
وفي اطار المجهود الرامية الى المحافظة على الذاكرة الوطنية، تم استعادة رفات 24 شهيدا من شهداء المقاومة الشعبية ورفقائهم من مختلف مناطق الوطن من متحف بباريس ليتم دفنهم إكراما وصونا لحرمتهم في أديم الارض التي استشهدوا من أجلها وتغربوا في سبيلها وذلك وفاء لعهد ورسالة الشهداء الأبرار وعرفانا لرصيد التضحيات التي ساهموا بها في مسيرة الحرية والاستقلال.
وحرصا منه على ربط الأجيال الصاعدة بالذاكرة الوطنية وتضحيات أسلافهم، دشن رئيس الجمهورية أيضا يوم 5 يوليو2021 بمناسبة الذكرى ال59 للاستقلال جدارية فنية بساحة الشهيد بوجمعة حمار بالجزائر العاصمة، تخلد لذكرى الجزائريين الذين تم نفيهم من قبل الاستعمار الفرنسي الغاشم إلى مناطق عديدة في أقاصي الأرض طوال فترة الاحتلال.
وتعبر هذه الجدارية الفنية عن عرفان الجزائريين ووفائهم لإخوانهم الذين قامت فرنسا بنفيهم إلى كاليدونيا الجديدة، غويانا (أمريكا الجنوبية)، مارغريت (فرنسا)، الشام (أسيا) وبرازافيل (إفريقيا).
وكتب تحت الجدارية عبارة وفاء وعرفان لتضحيات المنفيين جاء فيها “وفاء وعرفانا لأبنائها المنفيين إلى أقاصي الأرض تنحني الأمة الجزائرية بكل خشوع أمام أرواحهم الطاهرة”.
كما كانت الذكرى ال60 لاسترجاع السيادة الوطنية مناسبة أيضا للتنويه بجهود وتضحيات كل من وقف الى جانب الثورة الجزائرية من مختلف الجنسيات وأعطاها البعد الإنساني والعالمي من خلال إشراف الرئيس تبون على تدشين معلم “أصدقاء الثورة الجزائرية” برياض الفتح، وهي جدارية تحمل أسماء أصدقاء الثورة التحريرية المجيدة من الأجانب، مرصعة بعبارة ”أصدقاء الثورة: إخوة في الكفاح، عرفان دائم”، ناهيك عن تدشين النصب التذكاري “معلم الحرية” بسيدي فرج (الجزائر العاصمة) يمجد لحادثة رفع العلم الوطني لاول مرة في الجزائر المستقلة من قبل أحد رومز ثورة التحرير المجيدة، العقيد سي محند أولحاج.
وفي سياق متصل، تعزز الإعلام الوطني من خلال التلفزيون العمومي بقناة للذاكرة أصبحت منذ انشائها نافذة للاطلاع على تاريخ البلاد عبر برامج متنوعة تشمل ندوات وشهادات وأفلام وثائقية وسينمائية تخلد مآثر الشعب الجزائري وبطولاته عبر التاريخ لاسيما خلال الحقبة الاستعمارية.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.