تشرع وزارة التربية في تجسيد التعليم الرقمي في الموسم الدراسي 2022-2023، بعد مرحلة تجريبية الموسم الماضي شملت 50 مدرسة، تم رفع عددها هذا الموسم إلى أكثر من 1600 مؤسسة، جهزت بألواح إلكترونية، للانتقال إلى نظام التعليم العصري، وفق أجندة زمنية محددة، تستهدف كل المؤسسات التربوية المنتشرة عبر التراب الوطني.
وتعد المدرسة الرقمية أحد المشاريع المتضمنة في برنامج رئيس الجمهورية، والمدونة في خطة عمل الحكومة ومخطط عمل وزارة التربية الوطنية، يتم العمل على تعميمها بهدف نقل المدرسة الجزائرية إلى مستوى رقمي أحسن يمكّنها من الالتحاق بركب الدول المتقدمة في هذا المجال.
مدارس نموذجية وكتب رقمية لـ 6 ملايين تلميـذ
مشروع المدرسة الرقمية بدأ بمدارس نموذجية قدرت في بداية الأمر بـ 50 مدرسة بعد توقيع اتفاقية مع سوناطراك لتزويدها بالألواح الإلكترونية، ليتقرر الانتقال هذا الموسم إلى 1629 مدرسة بمعدل مدرسة بكل بلدية تقريبا، في توجه ترمي من وراءه الوزارة الوصية إلى تعميم التعليم الرقمي بإشراك جميع أصحاب المصلحة الفاعلين في العملية التعليمية، ناهيك عن توفير مختلف التجهيزات التكنولوجية الحديثة من السبورات التفاعلية والألواح الرقمية.
ويشمل المحتوى البيداغوجي الرقمي المواد التعليمية المبرمجة مستندا في ذلك على التكنولوجيات المتوفرة بما في ذلك المحفظة الالكترونية الخاصة بكل تلميذ والسبورة الرقمية التفاعلية داخل الفصل والمناهج الرقمية التي يتم الولوج إليها من خلال الحوسبة السحابية عبر الربط بشكبة «الانترنت»، ما يتيح التواصل بين التلميذ والأستاذ حتى خارج المدرسة.
يأتي هذا التعميم بعد نجاح المرحلة الأولى المتمثلة في التصفح للكتب المدرسية من التحضيري إلى السنة الخامسة ابتدائي، كتجربة أولى بمدرسة عبد الرحمن الأخضري بباتنة، فيما يتم التحضير لخوض المرحلة الثانية المتعلقة بالربط بالشبكة، ما سيسمح لما يقارب 3 مليون تلميذ بالسنة الثالثة، الرابعة والخامسة من الاستفادة من المدرسة الرقمية.
تهدف الوزارة من هذا التوجه الرقمي في التعليم المدرسي إلى تحسين الأداء البيداغوجي والتربوي للأساتذة، وكذا المردود التعليمي للتلاميذ، وتخفيف الأعباء النفسية والمادية والجسدية عنهم، خاصة وأن من بين الأهداف الكثيرة للأقسام الرقمية، تخفيف وزن المحفظة بالنسبة لتلاميذ الطور الابتدائي على أن يتم تعميم هذا الأسلوب الرقمي تدريجيا على كافة الأطوار التعليمية الأخرى.
أما الهدف العام، فهو مرتبط بوضع المدرسة الجزائرية في التوجهات العالمية الرئيسية في التعليم وصياغة إستراتيجية قادرة على جعل التعليم أداة لعصرنة البلاد للاستجابة لاحتياجات التنمية المستقبلية لبلادنا من خلال تحسين الأدوات وطرق التدريس التقليدية، وتغيير الممارسات البيداغوجية وتحول الممارسة البيداغوجية نحو درجة أعمق من إشراك التلميذ واستخدام الأدوات المعلوماتية.
وبغية مواصلة هذا المسعى، يشمل الموسم الدراسي الجديد 2022-2023 إجراءات أخرى تتمثل في الكتاب الرقمي تحت عنوان: «تخفيف محفظة التلميذ»، حيث سيتم رقمنة كل العناوين المتداولة في النظام التربوي الجزائري، ابتداء من السنة أولى ابتدائي إلى غاية السنة الثالثة ثانوي، والسماح لما يقارب 6 ملايين تلميذ الوصول إليه مجانا، ما يساهم في تخفيف عبء تحميل المحفظة من وإلى المدرسة.
صياغة إستراتيجية قادرة على جعل التعليم أداة للعصرنة وتحقيق التنمية
وبالفعل، وتحت وسم «المدرسة الرقمية الجزائرية» يمكن للتلميذ ولولي أمره تحميل كل ما يحتاج من البرنامج الدراسي من كتب دروس ونشاطات على شكل «pdf» بالإضافة إلى حلول التمارين، فيما يمكن تحميل الأناشيد عبر اليوتيوب كاملة أو مقسمة على مقاطع لتمكين التلاميذ من سهولة الحفظ.
وتترجم هذه الخطوة إرادة وزارة التربية الوطنية في تحسين مستوى التلاميذ بربطه بتقنيات التعليم الحديثة من خلال توفير المحاكاة المباشرة لهذه التكنولوجيات الجديدة، خاصة أن أغلب الأطفال يحسنون التعامل مع الهواتف الذكية أو حتى الألواح الالكترونية لكن هذه المرة سيتم توجيههم نحو التعليم بدل الترفيه، وذلك في سبيل التخفيف من حمل حقائب مثقلة بكتب والكراريس نتيجة التغيرات التي عرفتها المناهج التعليمية في السنوات الأخيرة.
لوحة ورقم تعريفي لكل تلميذ
تنفيذا لتعليمات الوصاية، تسلّمت مؤخرا المدارس الرقمية حصصها من اللوحات الإلكترونية وأجهزة الشحن الخاصة بها، والتي تولت كل من المؤسسة الوطنية للصناعات الالكترونية «إيني» ومؤسسة «الفاترون» بتصنيعها لفائدة المؤسسات التربوية بعد اختيارهما للتعاقد مع مركز التموين بالتجهيزات والوسائل التعليمية وصيانتها.
وتحصلت كل مؤسسة تربوية على حوالي 90 لوحة إلكترونية تتوزع على صفوف السنة الثالثة، الرابعة والخامسة بمعدل 30 لوحة لكل صف دراسي، ما سيغني التلاميذ المعنيين عن حمل وسائل التعليم الكلاسيكية المتمثلة في المحفظة والكتب والكراريس.
وتحتوي هذه اللوحات الالكترونية «الطابلات» على تطبيق «مكتبتي» الذي يتضمن كل كتب السنة الدراسية لكل صف، ويتم الدخول إليها بعد تفعيل الرقم التعريفي للتلميذ ورمز التفعيل من طرف المهندس المكلف بهذه المهمة ليجد بذلك كل المواد التعليمية للسنة الدراسية.
ويستفيد كل تلميذ من لوحة إلكترونية خاصة به يتم العمل بها من خلال السبورة التفاعلية التي يعتمد فيها الأستاذ على إلقاء الدرس، بحيث ما يعرض عليها هو نفسه ما يوجد في اللوحة، انطلاقا من الكتب الرقمية المحملة لكل سنة دراسية سواء تعلق الأمر بالدروس أو النشاطات.
ويكون التعامل بهذه اللوحات بشكل دائم ويومي إلى غاية نهاية الموسم الدراسي، وذلك بعد تلقي التلميذ أبجديات التعامل معها من فتح وغلق لها وكيفية الولوج لتطبيق «مكتبتي» والتفاعل معه.
من جهة أخرى، تم تزويد المؤسسات التربوية الرقمية بثلاث أجهزة شحن خاصة بطاقة استيعاب لـ 36 جهاز موصول، بعدة مآخذ، لإيصال الشاحن بها، حيث يتم ترتيب اللوحات الالكترونية فيها بعد انتهاء العملية التعلمية كل يوم ومبيتها فيها إلى غاية اليوم الموالي حتى تكون جاهزة للعمل مرة أخرى.
دور الأستاذ ثابت..
في المقابل، فإن قرار استعمال اللوحة الالكترونية وتفعيل وتعميم ذلك في إطار تكريس مبدأ المساواة، لا يعني إلغاء دور الأستاذ، فمثلما سيستفيد التلاميذ من التعليم الرقمي، فالأستاذ بدوره معني بتطوير أدائه التعليمي، وانتقاله إلى الرقمي من خلال استفادته من دورات تكوينية في المجال، للتحكم أكثر في المناهج التربوية الرقمية، وكذا في البرمجيات التي يقوم عليها هذا النوع من التعليم والتي تزداد تعقيدا كلما تم الانتقال إلى سنة أخرى، وهذا لا يمكن تجاوزه إلا بالدّورات التكوينية التي برمجتها الوزارة.
نقابيون: “لا بديل عن مسايرة التطوّر العلمي”
يتفق نقابيون وأولياء تلاميذ، على أهمية الانتقال للتعليم الرقمي، وتعميمه على جميع المدارس التربوية، للحاق بركب التطور العلمي والتكنولوجي، وتوسيع الآفاق المستقبلية للتربية العلمية في الجزائر، ولكن هذه الخطوة، حسبهم، تحتاج إلى الاهتمام بالجانب الاجتماعي، النفسي، والتربوي للتلميذ، وتوفير شبكة رقمية قوية عبر كافة المؤسسات التربوية لإنجاح هذه العملية.
رحّب نقابيون وممثلون عن أولياء التلاميذ، بتوسيع استعمال اللوحات الإلكترونية في المؤسسات التربوية، بداية من الموسم الجديد 2022-2023، حيث ستشمل العملية أكثر من 1600 مؤسسة جديدة، تضاف لتلك التي انطلقت بها التجربة الموسم الماضي، في خطوة، ترمي الوزارة الوصية والسلطات العمومية من وراءها، إلى رقمنة التعليم بأطواره الثلاثة، وإلحاقه بركب التطور العلمي والتكنولوجي، وتخفيف ثقل المحفظة على التلاميذ.
وقال رئيس جمعية أولياء التلاميذ، أحمد خالد في تصريح لـ»الشعب»، إن رقمنة التعليم «جاءت في الوقت المناسب» حيث يشهد العالم تطورا يوما بعد يوم في التكنولوجيات» ووصف مبادرة رئيس الجمهورية المتعلقة بتجهيز المؤسسات التربوية بالألواح الإلكترونية بـ»الطيبة»، وقال «إننا نستحسنها ونثمنها»، لأن أهدافها كثيرة، ولعل أهمها تحسين المستوى التعليمي، وهذه الخطوة لا تحتاج انتظار تحسن الوضع الاجتماعي والاقتصادي، لأن العالم كله يتطور في ميدان التكنولوجيات، وعلى هذا – يقول محدّثنا – لابد أن «نساير ركب التطور العلمي والتكنولوجي، وتحقيق الآفاق المستقبلية للتربية العلمية».
ويرى خالد، أن التعليم الرقمي أحسن من التعليم التقليدي، ولكن لإنجاح هذا المسعى، يحتاج الأمر إلى الاهتمام بجوانب أخرى، اجتماعية وتربوية وسيكولوجية، مثل توفير النقل والغذاء المتزن اللازم لجسم التلميذ بحيث يتماشى والقدرات الفكرية والذهنية له، كذلك توفير الجو الملائم في البيوت من طرف الأولياء، أي توفير كل الظروف الملائمة لإنجاح هذه العملية التي تكفل الاهتمام المطلوب بتنشئة جزائريي الغد.
أما عضو لجنة التربية والتعليم العالي بالمجلس الشعبي الوطني والنقابي السابق، مسعود عمراوي، فثمن قرار تعميم استعمال اللوحات الإلكترونية في المؤسسات التربوية، بداية من الموسم الجديد 2022-2023، وقال: «كل وسيلة علمية حضارية يجب أن تثمن»، وتبقى الآمال معلقة لجعلها إلزامية وواجبة في جميع المدارس، وليست عملية مكملة مثلما هو الوضع الآن، حيث تشمل التجربة الأولى نحو 2000 مؤسسة من مجموع 28 ألف مؤسسة تربوية منتشرة بالتراب الوطني.
وأشار عمراوي إلى ضرورة تظافر الجهود من أجل تجاوز بعض الصعوبات والعوائق التي قد تعترض عملية الانتقال الرقمي للتعليم، قد يكون بينها تذبذب تدفق الانترنت، كما يجب الحرص على تجنب استغلال اللوحات الإلكترونية في غير ما خصصت له، وهذا ما قد يشكل صعوبة لدى الأستاذ في مراقبة جميع التلاميذ عند استعمالها، بحكم أن كل تلميذ سيكون مزودا بلوحة إلكترونية، وهذا سيشتت جهود الأستاذ، عكس السبورة الذكية التي قال إن فوائدها كثيرة، فهي تشد انتباه جميع التلاميذ في وقت واحد، وغير قابلة للكسر والتلف.
اعداد: سعاد بوعبوش وزهراء.ب