من حسنات النشاطات، في كل القطاعات بالبلاد، أنها خلّفت وراءها «الارتجال» وتخلّت عن الأساليب (العفوية) أو (ما يخطر على البال)، وصارت تعتمد على منهجيات واضحة في تسيير مهامها. فقد اقتحمت فكرة «التكوين» كلّ النشاطات الحيوية ولم يعد ممكنا «التعيين» العشوائي الذي أتى على الأخضر واليابس، بعد أن تحوّل «التكوين» إلى ثابت يرافق أي حديث عن المشاريع دون استثناء، فـ»أعوان الإحصاء» تلقوا التكوين المناسب، ومثلهم أساتذة الإنجليزية، ولم يختلف الفلاحون الذين صاروا مضطرين إلى الالتحاق بمراكز التكوين كي يحكموا أساليب الاشتغال مع المواد التي يتعاملون بها.
وقد يكون واضحا أن «التكوين» هو حجر الأساس لنجاح أي مشروع، وليس يمكن بحال أن ينجح عمل يتولاه من لا يتقن أبسط أدواته، ولا أهمّ إجراءاته، ولكنّنا أهملنا هذا الجانب سنين عددا، وصرنا نعتمد على «التوظيف المباشر» دون أي اختبار شفوي أو كتابي، بل إن الأمر تميّع حتى حلّت «شهادة الميلاد» محل «شهادة إثبات المستوى»، وصارت المناصب توزّع على أصحاب (المعريفة) و(الواصلين) وذوي (الأكتاف)، عوض أن تنال الكفاءات القادرة على أداء واجباتها.
والحق أنّنا استبشرنا خيرا ونحن نلاحظ تردّد فكرة «التّكوين»، ونراها وهي ترافق كل حديث عن النشاط، لم تترك قطاعا إلا واستعادت به ألقها، ولا مشروعا إلا فرضت عليه سطوتها، وهذا تغيير جذري ينسحب بثبات على حياتنا اليومية، ويتأسّس بها، ليكون العنصر الفاعل الذي يمنح الدّينامية اللازمة لكلّ نشاط..
هي نقطة النهاية التي تصدّ كلّ «المحسوبيّات» الصغيرة، و»الجهويات» المقيتة، والرذائل التي هيمنت على واقعنا، فقد جاءت الجزائر الجديدة لتعيد الأمور إلى نصابها، وتخلّص البلاد والعباد من المتسلقين والعابثين بمصير أمة كاملة..