شهدت ساحة الثّقافة الوطنية انتعاشا غير مسبوق، وعرفت كيف تستفيد من ستينية الاستقلال المباركة، وتضم الفعل الثقافي إلى يوميات المواطن الجزائري، ما أضفى حركيّة غير معهودة، ربما تكون ذروتها في احتفالية «يوم الشّعر»، لتأخذ مسارا تصاعديا، مع عودة مهرجانات كبرى، مثل مهرجان المسرح الفكاهي بالمدية، ومهرجان مسرح الهوّاة بمستغانم، إضافة إلى عدد كبير من الملتقيات الوطنية والدّولية، وضعت حدّا لـ «الرّكود» الذي فرضته الجائحة..
ولا نغمط حق الفاعلين الثقافيين، فهؤلاء اشتغلوا بجدّ في خضم الجائحة، وبذلوا كل ما يقدرون عليه من أجل ضمان تواصل النّشاط الثقافي والمعرفي، والإسهام في ديمومته، فاستغلّوا المتاح من منصات التواصل الاجتماعي، وقدّموا صورة رائعة عن المثقّف الجزائري الذي لا تعييه المتاعب، ولا توهن عزيمته المصاعب، وجاءت المنتديات الافتراضية لتقيم «الأمسيات الشّعرية» و»القراءات الأدبية» والملتقيات الفكرية وطنية ودولية، فقدّمت خدمات جليلة غاية في الأهمية، ينبغي أن لا تركن إلى «الرّاحة» بعد أن رفعت الجائحة، وإنما تزداد توسّعا، وتستفيد منها جميع النّشاطات، حتى تضمن توزيعا أوسع وانتشارا أكبر، فليس ما يمنع – على سبيل المثال – بثّ مسرحة فكاهية أو مسرحية هوّاة على واحدة من المنصّات، فيكون الجمهور أكبر، والفائدة أوسع، تماما مثلما يمكن تسجيل المحاضرات بمختلف الملتقيات المبرمجة وبثّها على «يوتيوب» مثلا، كي تكون في متناول الدّارسين والباحثين، ولا يبقى العمل حبيس منطقته التي أقيم بها.
الفعل الثّقافي مبدع في العادة، ويعرف كيف يستفيد من كلّ الظّروف، ولقد اكتسب خبرة لا بأس بها في أثناء الجائحة، فكانت الضّارة النّافعة، حين توسّعت آفاق العمل، وأتيحت لقاءات لمسنا ثمراتها على أرض الواقع..