تسعى الشركة الوطنية وعملاق الطاقة الإفريقي «سوناطراك» الى فرض أسعار مناسبة للغاز الجزائري، تتوافق مع التطورات الحاصلة في الأسواق العالمية، دون إهمال التوازنات بين فرض الشروط المالية للشركة الوطنية وعدم خسارة زبائنها، وفي آخر خرجة للمسؤول الأول عن شركة سوناطراك، توفيق حكار، أوضح أن مراجعة الأسعار اليوم تتم مع جميع المتعاملين مع «سوناطراك»، سواء من القارة الأوروبية أو الآسيوية فجميع الزبائن معنيون بقرار مراجعة الأسعار، والمناقشات تمت مع ستة زبائن من أصل إحدى عشر زبون للشركة الوطنية.
العقود الطويلة الأمد التي وقعتها الجزائر مع زبائنها من دول جنوب القارة الأوروبية تسمح بمراجعة الأسعار في السنة الثالثة، فبنود العقد تم وضعها خلال توقيع العقد الطويل الأمد لتوريد الغاز الجزائري نحو القارة «الباردة»، وبعيدا عن كل الأحداث الجيوـ سياسية التي أثرت على أهم موارد الطاقة بأوروبا اليوم.
سوناطراك تنجح في استغلال بند مراجعة الأسعار
ها هي الجزائر تُفعِّل هذا البند وفق ما يتناسب مع مكاسبها ويرضي طموحاتها فيما يتعلق بتسعير إمداداتها من الغاز للقارة العجوز، وأشار الرئيس المدير العام لـ»سوناطراك» إلى أن «مراجعة الأسعار تتم مع جميع شركاء سوناطراك دون الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الشريك والمفاوضات في مرحلة جد متقدمة».
وأوضح المسؤول الأول عن شركة سوناطراك توفيق حكار، في تصريحات سابقة شهر جويلية الماضي، أن المفاوضات في مرحلة جد متقدمة، فيما أعلن هذا الأسبوع أن الشركة توصلت إلى اتفاق نهائي بشأن مراجعة الأسعار مع ستة شركات أجنبية لحد الآن، فيما تتواصل المفاوضات مع باقي الشركات الخمسة الزبائن لعملاق الطاقة الجزائري.
وكشف الرئيس المدير العام للشركة الوطنية على هامش توقيع اتفاقيات بين «سوناطراك» والمجمع الإيطالي «إينيل»، الأربعاء، عن انتهاء المفاوضات مع الشريك الاسباني «ناتورجي» حول الأسعار الجديدة، في انتظار إمضاء اتفاقية في هذا الإطار الأيام القادمة.
ووصف حكّار المفاوضات في هذا الشأن بالعسيرة، قائلا: «المفاوضات في عملية مراجعة الأسعار ليست بالسهلة، هي شاقة ومتعبة كثيرا».
وتسعى سوناطراك إلى فرض أسعار مناسبة تتوافق مع التطورات الحاصلة في الأسواق العالمية للغاز، دون إهمال التوازن بين فرض شروط الشركة الوطنية المالية وعدم خسارة زبائنها، بدافع الزيادة القياسية في أسعار العقود الفورية في الأسواق العالمية اليوم مقارنة بأسعار العقود الطويلة المدى، وهي العقود التي كانت تستفيد من «الأسعار التفضيلية».
ويُقرُّ المتابعون للأسواق الطاقوية أن العقود الطويلة الأمد تعرف مراجعة للأسعار كل ثلاث سنوات بداعي تغيرها وفق حالة السوق سواء بالزيادة أو التراجع، ويستذكر الجميع كيف استجابت الجزائر لطلب إسبانيا بمراجعة الأسعار سنة 2019 من أجل خفضها بداعي تراجعها في السوق العالمية آنذاك.
وتستدعي الضرورة اليوم مراجعة الأسعار بطلب من جانب الموردين في ظل الارتفاع القياسي لأسعار الغاز سواء المسال أو الذي يتم نقله عبر الأنابيب.
وإذا كانت الدول الموردة للغاز تمتنع عن إقرار أي زيادة في السوق المحلية في حال ارتفاعها في الأسواق العالمية، بداعي دعم الاقتصاد والإنتاج المحلي، إلاّ أن مراجعة الأسعار مع الزبون الأجنبي ضرورة مادام هذا الأخير لا يتأخر في طلب خفضها في حال تراجع الأسعار في الأسواق العالمية.
ويتوقع مختصون استمرار موجة الارتفاع التي تشهدها أسواق الغاز العالمية وزيادات جديدة خلال الأشهر القليلة القادمة، بالرغم من مؤشرات أخرى تفيد بتراجع الاقتصاد الأوروبي وهو ما يعني تراجع الطلب على الغاز مما يسهم في تراجع أسعارها على الأمد المتوسط.
وتتحفظ الدول الموردة للغاز في الكشف عن تسعيرة الغاز المتفق عليها مع الدول المستوردة، فهي تختلف من زبون لآخر وتأخذ بعين الاعتبار العديد من العوامل المحيطة بعملية المفاوضات حول مراجعة الأسعار وعقد الاتفاقيات.
وتعرف أسعار الغاز مستويات غير مسبوقة بسبب معركة الطاقة المستعرة بين روسيا والغرب على إثر تداعيات العملية العسكرية في أوكرانيا، ويجد الاتحاد الأوروبي صعوبات جمّة من أجل توفير احتياطات تعوض استغناءه عن الغاز الروسي الشتاء القادم دون الإخلال في المخزونات الإستراتيجية.
وارتفعت أسعار الوقود الأزرق في الأسواق الأوروبية بنحو 10 بالمئة نهاية الأسبوع، بعد أن تجاوزت العقود الآجلة للغاز مستوى 2000 دولار لكل ألف متر مكعب.
فتح ملف أسعـار الغاز.. خطوة استباقية وفعالة
في وقت تتطلع فيه دول أوروبية خاصة الواقعة بجنوب القارة العجوز من أجل تعزيز إمداداتها بالطاقة، تنظر هذه الأخيرة باهتمام وثقة كبيرة إلى الجزائر خاصة مع اقتراب حلول فصل الشتاء البارد وشح في وفرة الغاز، في ظل صدمة تغير خريطة الإمدادات نحو أوروبا وكذا إلتهاب الأسعار بشكل قياسي لم يسجل من قبل، ومازالت الجزائر تخوض جولات متعددة تنهي فيها
تحرك الجزائر نحو مراجعة أسعار الغاز مع شركائها، كان خطوة استباقية سريعة وفعالة، أي فكرت فيه وانتهجته قبل الارتفاع المذهل الذي سجلته الأسواق، وكذا ما أسفر عنه من تفاقم اضطراب الإمدادات، إثر الأزمة الروسية الأوكرانية، وبذلك السير نحو إنهاء مرحلة الأسعار التفضيلية عبر تفعيل بند مراجعة عقود الغاز مع جميع الشركاء، بما يتواكب مع الأسعار الحالية عبر الأسواق العالمية.
قلق المستهلكين العالميين
الجدير بالإشارة، أن العديد من الخبراء الجزائريين، أكدوا على أن الجزائر كانت سباقة في خوض مفاوضات داخلية منذ صائفة عام2021، حيث انطلقت في البداية في مفاوضاتها مع الشريك الاسباني، ثم انتقلت إلى الشريك الايطالي، ولأن الجزائر بدت مقتنعة حسب العديد من المؤشرات أن ارتفاع الأسعار سيتواصل على المدى الطويل على الأقل إلى غاية 2027 أو أبعد من ذلك، حيث جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتفاقم من هشاشة التمويل في ظل تزايد الطلب خاصة في فصل الشتاء وما يقابله من تراجع بل وتآكل لاحتياطي القارة الأوروبية، لذا فإن تحرك الجزائر من أجل مراجعة الأسعار بشكل يحفظ مصالحها ويعزز من مشاريعها الاستثمارية، ليس وليد اليوم بل مخطط له ومدروس بحنكة وذكاء، بل وجاء في الوقت المناسب، وتواصل في خضم الارتفاع الكبير للأسعار والذي أقلق المستهلكين العالميين، وجعلهم يبحثون عن المزيد من الممونين الآمنين الذين يمكنهم تزويدهم بما يحتاجونه، حتى لا يتسبب ذلك في حدوث أزمة توقف المصانع وبالتالي الآلة الإنتاجية.
تحركات في الوقت المناسب
ومما لاشك فيه، فإن لارتفاع أسعار الطاقة بما فيها الغاز والبترول أثر مباشر وآخر غير مباشر، علما أنه أكيد أن ارتفاع الأسعار من شأنه أن يرفع من مداخيل الخزينة بشكل معتبر، حيث كان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قد أكد أنه يتوقع أن صادراتنا من المحروقات أي الغاز والنفط والمكثفات وغاز البترول الميمّع «جي. بي. أل»، ستصل إلى حدود 50 مليار دولار نهاية السنة الجارية.
لكن لا يخفى أن بعض الخبراء يؤكدون من جهة أخرى على وجود بعض الآثار السلبية، وقالوا إنها تمس جميع الدو المصدرة للطاقة والتي تستورد السلع والمعدات من الخارج، أي كل ما هو مصنع تكلفته سترتفع، إلى جانب ارتفاع كلفة الشحن الدولي، وبالإضافة إلى ارتفاع في سعر الوقود و»الكيروزان»، وبالتالي هذا من شأنه أن يرفع من أسعار الواردات، وفي المقابل كل هذا سيفضي بطبيعة الحال إلى تسجيل ارتفاع كبير في أسعار مختلف المنتجات، ما سيؤثر على القدرة الشرائية.
يذكر أن الارتفاع الكبير في أسعار الغاز على وجه الخصوص، سيزيد من التحركات السريعة لـ»سونطراك» والتي جاءت في وقتها المناسب، من أجل مراجعة أسعار الغاز بشكل سيحسن من المداخيل، وبالتالي تحمي مصالحها بالرغم من أن مفاوضات مراجعة الأسعار ليست سهلة، وكان الرئيس المدير العام لمجمع «سوناطراك» توفيق حكار في آخر ندوة صحفية نشطها خلال شهر جويلية الماضي وصفها بالشاقة من طرف فريق مختص لهذه العملية.
أزمة وشحّ الأسواق
إذا يمكن القول برأي خبراء، إن الخطوات الثابتة للجزائر في مسار مراجعة الأسعار حتمية لا مفر منها، وستطوي بذلك خيار «الأسعار التفضيلية»، الذي انتهجته لسنوات طويلة، وجاءت المراجعة لتتزامن في ظرف جد مناسب أي شح الأسواق والأزمة الأوكرانية من أجل الظفر بعقود طويلة الأمد مع الزبائن، ويعول عليها النجاح في فرض أسعار تراها مناسبة، أي تتناسب وما هو مفروض مع تطور الأسواق الراهن.
علما أن عقود الجزائر طويلة الأمد التي وقعتها مع شركائها الأوروبيين منذ 2019، تسمح لها بإعادة النظر خلال العام الثالث في الأسعار، أي تركت هامشا للتحرك في حالة تقلب الأسعار.
الجدير بالإشارة، فإن الجزائر توجد في موقع قوة، ويمكنها أن تفاوض بأريحية، على خلفية أنه ينظر إليها كمنتج مميز وممون ثابت، ولعل ما شهدته من حراك دبلوماسي بعد زيارة عديد المسؤولين الأوروبيين خلال الأشهر الماضية، يؤكد قوتها وثقلها في السوق وكذا تزايد الطلب على منتجاتها الطاقوية.
خبراء: أمن طاقوي للزبائن وضمان استقرار المداخيل
تسعى الجزائر على غرار الدول المنتجة للمحروقات إلى تطوير قطاع المحروقات، لضمان الأمن الطاقوي على الأمد البعيد، في ظل المتغيرات الاقتصادية والأمنية في العالم التي أخلت بالاستقرار الطاقوي من ناحية العرض والطلب، وذلك من خلال مراجعة الأسعار التعاقدية مع مجمع «انيل» الايطالي لتعزيز الأمن الطاقوي للزبائن ولضمان استقرار مداخيل الخزينة العمومية.
تعد الطاقة من القطاعات المعززة للنمو والتنمية الاقتصادية وهي في الجزائر المورد الأكبر لمداخيل الخزينة العمومية بحوالي 97 بالمائة، وفرضت الظروف الاقتصادية والجيو ـ سياسية إعادة النظر ومراجعة بنود 6 اتفاقيات بين سوناطراك ومجمع «اينيل» الايطالي، تماشيا وظروف السوق، وضمان استقرار إمدادات الغاز، وتعزيز الأمن الطاقوي للزبائن التي تربط الجزائر بهم علاقة صداقة وطيدة، وتأتي إيطاليا في مقدمة هذه الدول.
سجلت الجزائر زيادة في إنتاج الغاز، قُدِر بـ 3 مليار متر مكعب إضافية ما بين أفريل وسبتمبر 2022، مكنها كبلد منتج من وضعها في السوق الحرة حسبما يراه الخبير الاقتصادي أكرم زيدي، الذي يشير إلى أرقام الشركة الوطنية سوناطراك حيث 2.6 مليار متر مكعب موجهة للسوق الايطالية، ما يترجم على أنه التزام واضح للجزائر تجاه شريكها الطاقوي التقليدي والقديم إيطاليا.ومن المتوقع بلوغ 4 ملايير متر مكعب إضافية نهاية سنة 2022، ستدير من الحصة الموجهة لهذه الأخيرة، وهو ما سيعزز الشراكة بين الدولتين في قطاع الطاقة، خاصة وأن كليهما تعمل على تجسيد شراكات أساسها قاعدة «رابح رابح»، وهو ما أبانه توقيع سوناطراك لاتفاقيات في إطار عقود شراء وبيع الغاز الطبيعي الموجه للأسواق الإيطالية والإسبانية مع مجمع الطاقة الايطالي»انيل « قبل نهاية الأسبوع المنصرم.ولفت المتحدث في تصريح لـ»الشعب» إلى أن هذا الاتفاق على تعديل سعر البيع، تم تماشيا وظروف السوق العالمية، وتوريد كميات إضافية لهذه السنة، وكذا للسنوات القادمة فمن المنظور الاقتصادي ـ يقول المتحدث ـ أن الجزائر تتجه الى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول الصديقة التي تربطها علاقات وطيدة تاريخيا واقتصاديا، فتعزيز الشراكة التقليدية بين الجزائر ممثلة بشركة سوناطراك وإيطاليا ممثلة بـ»إنيل» يسمح بتوطيد العلاقة التجارية في مجال الغاز الطبيعي وضمان استقرار وأمن إمدادات الغاز للزبائن ما سيساهم في تعزيز الأمن الطاقوي لهم، والحفاظ على استقرار مداخيل الخزينة العمومية في مستوى معتبر من العائدات.
هذه الخطوة ـ يضيف زيدي ـ ستفسح المجال لبلادنا للتوجه نحو شراكات أخرى لقطاعات أخرى مع ايطاليا التي تعد هذه الأخيرة رائدة فيها، والجزائر تنتهج مع الدول الصديقة الإستراتيجية التي ستساهم في تبادل ونقل الخبرات ونقل التكنولوجيا الحديثة في إطار الانفتاح العالمي الذي تعرفه اقتصاديات الدول التي جاءت نتيجة عدة متغيرات اقتصادية وأمنية. وذكر في هذا الإطار، أن النتائج المسجلة لهذه السنة والمؤشرات، تؤكد القدرة الإنتاجية المتزايدة للجزائر، ما يجعلها قادرة على تغطية الالتزامات التعاقدية بكل أريحية سنة 2023، ما يبعث الاطمئنان في علاقاتنا الاقتصادية مع شركائنا التقليديين والأوفياء في مجال الطاقة، خاصة وأن تقييمنا لسنة 2021 كسنة ايجابية سواء من ناحية الإنتاج أو من ناحية الأسعار وكذا من ناحية المداخيل الذي أسست إليه معدلات الإنتاج حيث تم رفع الإنتاج بِـ 5 بالمائة مقارنة بسنة 2020 .
بالنسبة للخبير في الطاقة نور الدين مسموس، فهو يعتبر أن أسعار الغاز تبقى تتسم بالسرية، وتختلف من حيث صيغة العقود التي تمضيها الجزائر مع الزبائن على الأمدين القصير والطويل.
وأوضح في تصريح مقتضب لـ» الشعب» أن صيغة التعامل في اطار العقود بين الجزائر وزبائنها خاصة «الأوفياء « على غرار ايطاليا يختلف حسب حجم الطاقة (الغاز) ونوعية العقد طويل أو قصير الأمد، قال في هذا الإطار إن العقود لمدة قصيرة، تخضع لتقلبات السوق وقانون العرض والطلب، بينما العقود طويلة تخضع للظروف جيوـ سياسية، والجزائر ملزمة بموجب العقود ضمان استمرار التموين مهما كانت الظروف والأوضاع.وأشار إلى أن بلادنا تعتمد على نظرة بعيدة الأمد في مراجعتها لأسعار الغاز مع ايطاليا باعتبارها حليفا استراتيجيا، الذي لم يغادر الجزائر حتى في أصعب المراحل التي مرت بها البلاد في إشارة الى العشرية السوداء.