بعد أزيد من 70 سنة على اكتشافه سنة 1952 والتي ظل خلالها خارج دائرة الاستغلال، شرعت الجزائر في أشغال الاستغلال الفعلي لمنجم غارا جبيلات بولاية تندوف، الذي تقدر احتياطاته، حسب الدراسات الأولية، بحوالي 3.5 ملايير طن من الحديد، ما يجعله ثالث أكبر منجم للحديد في العالم، وينتظر أن تعود عملية استغلاله بعائدات تقدر بـ 16 مليار دولار أمريكي سنويا.
في هذا اللقاء، تحاور “الشعب” رضا بلحاج، المدير العام المساعد لمؤسسة فيرال ورئيس مشروع تطوير منجم غار جبيلات، الذي يفصل في مراحل استغلال المنجم ومختلف المراحل الاستثمارية التي سيمر بها المشروع قبل البدء في عملية معالجة وتحويل الحديد.
ينقسم منجم غار جبيلات الواقع بولاية تندوف إلى ثلاث مناطق منجمية، الأولى هي “غار جبيلات شرق” والتي تمتد على مساحة تقدر بـ 7000 هكتار، وغار “جبيلات وسط” والممتدة على مساحة 18 ألف هكتار، وهي أكبر أجزاء المنجم، ثم “غار جبيلات غرب” الممتدة على مساحة 15 ألف هكتار، وهو الجزء الذي أجريت عليه الدراسات الخاصة بعملية الاستغلال، إضافة إلى هذه المواقع المنجمية الثلاث، تضم ولاية تندوف منجما آخر هو منجم مشري عبد العزيز، الذي يبعد نحو 250 كلم عن غار جبيلات.
ويؤكد رضا بلحاج، المدير العام المساعد لمؤسسة فيرال ورئيس مشروع تطوير منجم غار جبيلات، أن تطوير المنجم مشروع ضخم وهيكلي، وسيمر عبر العديد من المراحل المتدرجة التي تسمح بالاستغلال الأمثل لمكمنه، بحيث ستمتد المرحلة الأولى من 2022 إلى نهاية 2025، وسيشرع خلال هذه الفترة بالاستغلال الفعلي لمنجم غار جبيلات غرب، واستخراج ما يتراوح بين 2 إلى 3 مليون طن من الحديد الخام سنويا، وينتظر خلالها استكمال إنجاز مشروع مد خط السكة الحديدية الرابط بين منجم غار جبيلات بولاية تندوف وولاية بشار، والتي ستمكن فيما بعد من نقل الحديد نحو الشمال، وفي غضون ذلك ستنقل حمولات الحديد الخام المستخرجة إلى ولاية بشار عبر الشاحنات، أين ستتم معالجتها وتحويلها على مستوى القاعدة الصناعية التي ستنشأ بذات الولاية.
أما المرحلة الثانية والتي تبدأ من 2026 إلى غاية 2040، فسيتم خلالها نقل ما يصل إلى 50 مليون طن من خام الحديد إلى الشمال في المرحلة النهائية، وهذا بعد الشروع في استغلال خط السكة الرابط بين المنجم وولاية بشار، حيث ستحول شُحنات الحديد الخام من بشار نحو مختلف شركات ووحدات تحويل الحديد مثل مصنع الحجار بولاية عنابة ومركب بلارة بولاية جيجل وكذا مصنع “توسيالي” بولاية وهران، زيادة على مختلف المصانع الصغيرة التي تحتاج هي الأخرى إلى خام الحديد من أجل تحويله. من جانب آخر يوضح رئيس مشروع تطوير منجم غار جبيلات، أن مخطط الاستغلال خلال الأشهر المتبقية من سنة 2022 يقضي بالتركيز على التحكم في طرق الإنتاج من أجل تحسين المردودية وتقليص التكلفة وكذا التعرف على المشاكل الميدانية التي قد تواجه المشروع إضافة إلى تهيئة الأطقم لمجابهتها في المراحل القادمة.
أسباب تعطل عملية الاستغلال
يؤكد رضا بلحاج، أن من بين الأسباب التقنية التي عطلت استغلال منجم غار جبيلات هو احتواء حديده الخام على مادة الفوسفور، ولأجل هذا كان من الواجب البحث عن آليات وطرق لمعالجته حتى يصبح قابل للتسويق وطنيا ودوليا، عن طريق فصل الخام عن الشوائب للحصول على نسبة نقاوة عالية. جدير بالذكر أن نسبة مادة الفوسفور الموجودة في خام منجم غار جبيلات تصل إلى 0.8% وهي نسبة كبيرة نسبياً بحسب مختصين، ويمكنها أن تأثر على تركيبة وصلابة الحديد المنتج، وعليه وجب تقليصها إلى ما لا يقل عن 0.1 % حتى يصبح خام حديد المنجم صالحاً للاستغلال والتحويل وفق المعايير العالمية، واستناداً إلى هذا المعطى –يقول رضا بلحاج- قامت شركة “فيرال” الجزائرية المكلفة بالمشروع بإجراء جملة من التحاليل والدراسات المخبرية مع مراكز بحث صينية وروسية ، مكنت من التوصل إلى نتائج جد مرضية، تم خلالها تقليص نسبة الفوسفور إلى أقل من 0.1 % بالنسبة للمنتج الأول ( الحديد الخام المركز) و بين 0.15 % إلى 0.20 % بالنسبة للمنتج الثاني (الحديد المختزل)، وبهذا تكون قد استكملت مرحلة التحاليل الأولية بنجاح، ليمر المشروع، حسب المدير العام المساعد لمؤسسة “فيرال” إلى المرحلة الثانية، والمتمثلة في فصل الفوسفور عن الحديد بكميات أكبر داخل مصانع تحويلية لإثبات النتائج المتحصل عليها في المخابر، ويشرع بعدها في مرحلة الإنتاج الحقيقية للحديد الصلب.
تكلفة المشروع
يوضح رضا بلحاج، رئيس مشروع تطوير منجم غار جبيلات، أن الدراسات المنجزة مع الشريك الصيني تؤكد ضرورة استثمار ما قيمته 10 مليون دولار في الهياكل القاعدية للتمكن من الشروع في استغلال المنجم، مع الاستعانة بالمناولة لعمليات الحفر، الاستخراج ، السحق و النقل، من جانب آخر، أجرت إدارة المشروع أيضا دراسة أخرى خاصة بالقاعدة الصناعية التي ستنشأ على مستوى ولاية بشار، والتي ستتكفل بعملية معالجة وتحويل الحديد الخام المستخرج من غار جبيلات إلى مواد نصف مصنعة، وقدرت قيمة انجاز هذه القاعدة بـ 1.2 مليار دولار، وعلاوة على ذلك يؤكد بلحاج أنه سيتم إطلاق مناقصة وطنية ودولية خلال شهر أكتوبر الجاري، بهدف انتقاء شركاء آخرين مهتمين باستغلال مختلف منتجات المنجم والمتمثلة في ثلاث مواد حديدية يمكنها تلبية حاجيات السوق الوطنية بالدرجة الأولى.
وتتمثل المادة الأولى في مركز الحديد (Le concentré du fer) ويمكن لشركات التحويل أن تحوله إلى كريات حديدية (pellettes) بعد خلطه بحديد خام يحتوي على كمية قليلة من مادة الفوسفور و استغلاله في المفولذات الكهربائية في تصنيع الحديد الصلب بعد الاختزال المباشر بينما يتمثل المنتج الثاني في مسحوق الحديد المختزل (PDRI) والذي يمكن أن يعوض أو يضاف مع الخردوات الحديدية المستعملة من طرف بعض المفولذات وشركات التحويل الصغيرة.
وينتظر أن ينتج هاذين المنتجين في القاعدة الصناعية التي ستنشأ في بشار بطاقة إنتاجية قد تصل من 5 إلى 10 ملايين طن سنوياً حسب توفر الطاقة اللازمة لذلك.
أما المادة الثالثة فتتمثل في العروق الحديدية ( LA BILLETTE)، وهو منتج نصف مصنع جد مطلوب من طرف المحولين والمصنعين في السوق الوطنية والدولية على حد سواء، وينتظر أن تصل القدرة الإنتاجية المخصصة له في المشروع إلى ما بين 15 و 20 مليون طن سنوياً.
معايير اختيار الشريك
شرعت شركة فيرال في مساعي إيجاد شركاء مهمين ومهتمين بمشروع استغلال مكمن المنجم الضخم، وقد حددت شروط لذلك تمثلت أساساً في ضرورة حيازة الشريك للإمكانيات المالية والتكنولوجية اللازمة التي تمكنه من تقاسم مهمة انجاز المشروع وفق ما هو مخطط له، ويشير رضا بلحاج إلى أن مؤسسة “فيرال” قامت بالتواصل مع عدة شركات عالمية كبيرة تركية وصينية بالخصوص، وقد وقع لحد الآن مع التحالف الصيني CMH، حيث تم التوقيع معه على اتفاقية لتأكيد النتائج المخبرية التي تم التوصل إليها في 2018 و 2019 ، علاوة على مرافقته المالية للمشروع بغية انجاز إستثمارات لتحويل خام حديد غار جبيلات بالجزائر.
و سيتم خلال شهر أكتوبر الداخل إطلاق دفتر الشروط لإنتقاء الشركات التي من الممكن معها إنشاء شراكات لإستغلال و تطوير حديد خام منجم غار جبيلات.