تعفّف معظم المحتفلين بالمولد النبويّ الشريف هذا العام، عن استعمال المفرقعات، ولم نر مبالغة في استعمالها من قِبَل الذين (ركبوا رؤوسهم) وأصرّوا على أنّ الحفل لا يمكن أن يكون معبّرا إلا بـ «الفرقعة»، مع أنّها لا تمتّ إلى ديننا ولا إلى تقاليدنا بصلة، بل إنّها لا وجود لها في تاريخنا، وإن تسلّلت إلى المخيال العام، وتحوّلت، فيما مضى من السنين، إلى ثابت من ثوابت التعبير عن الفرح.
ولعل هناك من يرى أنّ حديثنا عن (العفاف) فيه شيء من المبالغة، بحكم «الغلاء الفاحش» الذي شهدته سوق (الفراقع)، غير أنّنا لمسنا، في جولة ليلية أثناء الاحتفال، أنّ معظم (المفرقعين) كانوا من الشباب الذين يصرفون مداخيل اليوم، في يومها، دون أن يحسبوا للزمن تقلّباته، ولا للحاجة ضروراتها، ما يعني أنّ الحملات التحسيسية التي أطلقتها عدّة مؤسسات، حقّقت غاياتها، واستوعب معظم الناس أن (الفرقعة) لا علاقة لها بالاحتفال بخير خلق الله، عليه صلوات الله وسلامه، ناهيك عن أنّها مجرّد مهلكة للمال، وقد تتسبّب في حوادث خطيرة، لا ينفع بعدها النّدم..
والحق، أنّه من الصّعب التعامل مع «الفكرة» حين تتحوّل إلى «أنموذج»، وتنغرس في المخيال الاجتماعي، فتصبح مكوّنا ضروريا لا يمكن الاستغناء عنه، ومع هذا، تعفّف معظم الناس عن إهراق الأموال على فرقعات قد تحدث نوعا من الفرح يتلاشى في لحظات معدودات، ليبدأ حساب كذا وكيت ممّا كان يمكن الإنفاق عليه، والقيام بواجبه، عوضا عن فرح معرّض للتحوّل إلى كارثة في أيّة لحظة..
ربّما يكون لـ «الحاجة» دور في التعفف عن (الفرقعة)، غير أنّ هذه الحاجة كانت على الدّوام ماثلة للعيان، ومع ذلك لم تفرض العفاف؛ ولهذا بالضبط، نعتقد أنّ الجزائري عرف كيف يتخلّص من الأنموذج هذا العام..