للدبلوماسية الجزائرية أولويات، دينها التمسك بنهج الآباء ومبادئ ثورة التحرير المجيدة، في السنتين الأخيريتين، حرصت الجزائر على تفعيل الدور الدبلوماسي الوازن في قضايا إقليمية وعربية وافريقية، في نقلة نوعية نشيطة واستباقية..
في المدة الأخيرة، برزت توجهات وأبعاد جديدة وواضحة للجزائر على المستوى العربي، القاري والإقليمي، في إطار المبادئ الثابتة للسياسة الخارجية للجزائر، وانعكس ذلك في تصريحات السلطات العليا في البلاد، حيال قضايا وملفات كثيرة، منها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعمل على المساهمة في إحلال الأمن والسلم في المنطقة.
ما لا يختلف عليه اثنان، أن تفعيل دور الجزائر ، دبلوماسيا، وتعزيز وجودها في أحداث إقليمية ودولية، بديناميكية غير مسبوقة، من بين ركائز السياسة الخارجية، التي سطرها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وهو ما تعكسه مؤشرات ملموسة وحركية مكثفة سجلتها الدبلوماسية الجزائرية، على أصعدة كثيرة.
لم الشمل.. والعمل العربي المشترك
طوال الاحتفال بالذكرى الـ 60 لاسترجاع السيادة الوطنية، تسعى الجزائر إلى تأسيس مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك في قمة عربية استثنائية بحكم سياقات إقليمية ودولية، ومن حيث دور الجزائر المحوري والوازن في المجموعة العربية.
مرتكزات الدبلوماسية الجزائرية، مثلما يقول المحلل السياسي وأستاذ القانون الدولي أبو الفضل بهلولي في تصريح لـ “الشعب أونلاين”، تتقاطع كثيرا مع بيان أول نوفمبر ومبادئ ثورة التحرير، ومثلما كانت هناك مساعي لتوحيد صفوف الشعب الجزائري في مكافحة الاستعمار الفرنسي، تتطلع الجزائر اليوم من خلال القمة العربية، التي تحتضنها، إلى توحيد جهود المجموعة العربية في إطار التضامن العربي لمواجهة مختلف التحديات.
ويقول بهلولي: “لا يمكن مواجهة هذه التحديات إلا بلم الشمل، مقاربة الجزائر ستكون لبنة أولى في إصلاح آليات وهياكل جامعة الدول العربية وتفعيل أدوات جديدة للعمل العربي من أجل مواجهة التحديات.”.
النموذج الجزائري، وفق المتحدث، فريد من نوعه “استلهم الشعوب التي كانت تكابد ويلات الاستعمار، ويراهن عليه اليوم في نجاح القمة العربية بالجزائر يومي 1 و2 نوفمبر المقبل “قمة ينتظر ان تنتهي إلى تفعيل آليات عمل عربي مشترك فعال”.
صناعة الأمن والسلم العالميين..
من الواضح أن السياسة الخارجية للجزائر في مرحلة جديدة تُعيد رسم الأولويات، مع تركيز خاص على منطقة المغرب العربي والساحل، والساحة الإفريقية، والعربية، ما جعل الجزائر- التي تتطلع إلى عضوية مجلس الأمن- محل إشادة أممية نظير دورها الدبلوماسي المحوري، انطلاقا من رجاحة الطرح في التعامل مع قضايا ونزاعات إقليمية ودولية، والسعي دوما نحو إحلال قيم الأمن والسلم العالميين.
وتؤكد الجزائر تمسكها بقيم السلم والأمن الدوليين وتقدم مساهماتها في ذلك، من أجل تحقيق تنمية شاملة وعادلة ومستدامة، وهو ما رافع عنه وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة في الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، الجارية هذه الأيام.
في هذه الدورة الأممية، طرحت الجزائر أهليتها لعضوية مجلس الأمن وتتطلع إلى ذلك من خلال انتخابات شهر جوان 2023، وبدعم الدول الأعضاء. ويتولى الوزير رمظان لعمامرة، رفقة المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، نذير العرباوي، وأعضاء الوفد الجزائري بمقر الأمم المتحدة، حملة ترقية ترشيح الجزائر.
عضوية مجلس الأمن
ترشح الجزائر لعضوية غير دائمة في مجلس الأمن، نابع من حجم التحديات غير المسبوقة المطروحة دوليا وإقليميا، في عالم يشهد توترات متصاعدة، وهو ترشيح حظي بتزكية الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
وأبدى الوزير لعمامرة، أثناء نقاش عام لهذه الدورة الأممية، استعداد الجزائر وتطلعها بقيادة الرئيس تبون، لتقديم مساهمة نوعية في القضايا الإقليمية والدولية المدرجة في جدول أعمال مجلس الأمن.
في المقابل، يرى مراقبون أن الدور المحوري للجزائر في كثير من القضايا، يؤهلها لأن تحظى بثقة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، خاصة أن مساعي الدولة الجزائرية حظيت بإشادة واسعة واحترام كبيرين، بعد سلسلة لقاءات عقدها لعمامرة مع شخصيات رفيعة المستوى على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
قبل ذلك، نالت الجزائر إشادة مجلس الأمن في قرار صادر شهر أوت الماضي، بخصوص دور الجزائر في مساعدة الأطراف المالية على تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي، المنبثق عن “مسار الجزائر”، مذكرا بالطابع المهم لأحكام اتفاق السلم والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر.
إشادة أممية..
مضمون القرار، الذي صُوت عليه بالإجماع، يُبرز دعم مجلس الأمن الكامل لهذا الاتفاق، “ومتابعة تنفيذه عن كثب، وإذا لزم الأمر، اتخاذ إجراءات ضد كل من يعرقل تنفيذ الالتزامات التي يتضمنها لبلوغ أهدافه”.
في السياق، يتحدث أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بهلولي أبو الفضل، في تصريح لـ “الشعب أونلاين”، عن دور محوري للدبلوماسية الجزائرية في إفريقيا والمجموعة العربية والبحر الأبيض المتوسط، وذلك في مرحلة جديدة من العمل الاستباقي والاستشرافي.
وفق بهلولي، دبلوماسية الجزائر الجديدة، سجلت مكاسب جديدة، وفق رؤية استباقية، منذ مجيء الرئيس عبد المجيد تبون للحكم، وباشر إصلاحات قاعدية وهيكلية.
هي متغيرات جعلت الجزائر أكثر تخصصا في أداء دور محوري، لاسيما أن الجزائر تلتزم بمبادئ صناعة السلم والأمن العالميين، ما يجعلها محل إشادة دولية وردود فعل ايجابية من دول كبرى. كل ذلك يؤهلها لأن تحظى بعضوية في مجلس الأمن الدولي.
اهتمام الجزائر ومواقفها التاريخية الثابتة واللامشروطة تجاه القضية الفلسطينية، ودعواتها المتكررة للمجتمع الدولي، وبالأخص مجلس الأمن في الآونة الأخيرة، لوقف الاعتداءات والانتهاكات ضد الفلسطينيين والتحرك العاجل والفعال لوقف هذه الممارسات، تُترجم بمبادرة جادة وندوة جامعة لإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية.
محورية القضية الفلسطينية..
قبل ذلك، وفي لقاء تاريخي بعد فتور دام سنوات، تمكن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أثناء الاحتفال بستينية الاستقلال، من جمع رئيس دولة فلسطين محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية، بحضور ممثلين عن السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وهو لقاء كانت له دلالات قوية وأعطى مؤشرات تصب في صالح مبادرة لم الشمل.
قبل موعد انعقاد هذه المبادرة، أجرت الجزائر حوارات مع فصائل فلسطينية، حسب ما أكده السفير الفلسطيني بالجزائر فايز أبو عيطة، مؤخرا، والذي أعرب عن تطلع الفلسطينيين أن تتكلل جهود الجزائر بنجاح يسمح بتشكيل جبهة فلسطينية صلبة وقوية في مواجهة الاحتلال.
في هذا الجانب، يتحدث المحلل السياسي، أبو الفضل بهلولي، عن خلفيات وجذور تاريخية في دعم الجزائر للقضية الفلسطينية، منذ فترة قبل الاستقلال إلى يومنا هذا، وبقيت الدبلوماسية الجزائرية ثابتة على مواقفها في إطار احترام الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة المبني على سيادة واستقلال الشعوب.
مبادرة الصلح والتصالح بين الفرقاء الفلسطينيين، وفق بهولي، تندرج ضمن الاهتمام الجزائري بالقضية الفلسطينية من جهة، وأيضا في إطار مساعي الجزائر لبلورة مشروع عربي ضخم يساهم في صناعة السلم في الشرق الأوسط والمجموعة العربية.
وأضاف بهلولي: ” مثلما ركزت الجزائر إبان ثورة التحرير على وحدة الصف الداخلي لمواجهة المستعمر، تحاول اليوم لم شمل الفصائل الفلسطينية.. وهو مبدأ أساسي تتخذه الجزائر ليكون بمثابة ورقة طريق للأشقاء الفلسطينيين باختلاف مشاربهم من أجل توحيد الصف في مواجهة الاحتلال”.
رمزية الستينية
ومثلما يقول المصدر، المواقف الثابتة للدبلوماسية الجزائرية، ومصداقيتها على مدار 6 عقود لدى المجتمع الدولي والمجموعة العربية خصوصا، يُمهد طريق المصالحة بين الأطراف الفلسطينية عشية انعقاد “قمة نوفمبر”، خاصة أن الدول العربية اليوم – يتابع – أمام منعرج حاسم، في قمة يُنتظر منها الكثير على مستويات عديدة. في نهاية المطاف، ستجني الجزائر ثمار مساع ومجهودات حثيثة في إطار التأسيس لعمل عربي مشترك.
تحتضن الجزائر في عيدها الـ 60 للاستقلال، قمة عربية مميزة، وفي ذكرى نوفمبر، و”كل القادة العرب القادمون إلى الجزائر يدركون وزن ثورة التحرير، ومبادئ الجزائر والتزاماتها”، مثلما يقول المؤرخ عامر رخيلة في تصريح لـ “الشعب أونلاين”.
برأي رخيلة، بدأت فكرة تتبلور في الجزائر، أو ما يسمى الديمقراطية الاجتماعية. الجزائر حريصة على تعميق وتجسيد قيم نوفمبر، في علاقاتها الثنائية أو الدولية. ويضيف: الجزائر ثابتة على المواقف، واحترام القانون الدولي، احترام الشؤون الداخلية للدول، والحرص على حل النزاعات داخل إفريقيا والوطن العربي.. وما تحققه الجزائر اليوم، يُجسد رمزية الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ 60 لاسترجاع السيادة الوطنية، ويؤكد تواصل الأجيال وترسيخ قيم ومبادئ نوفمبر ورسالة الشهداء.