يأتي قانون المالية لعام 2023 على ضوء أوضاع اقتصادية استثنائية مثلما وصفها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن خلال نزوله على المجلس الشعبي الوطني لمناقشة بيان السياسة العامة للحكومة.
طرحت الحكومة مشروعا يتوافق مع تطلعات الشعب ونهج الدولة القائم على سياسة الدعم الاجتماعي، فخلى مشروع القانون من أي ضرائب جديدة كانت لتثقل كاهل المواطن، وحمل مؤشرات توحي بأن سنة 2023 ستتميز بالإفراج عن المشاريع المجمدة وبتعزيز أكبر للقدرة الشرائية للمواطن.
عـام إطلاق كل البرامج والمشاريع المجمّدة
عبر أربعة أجزاء يضاف إليها أحكام ختامية حمل مشروع قانون المالية لسنة 2023 أرقاما وبيانات رسمت معالم السنة المقبلة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، فكانت مؤشرات كبيرة تلوح في أفق سنة تحمل في طياتها نهضة في المشاريع المتوقفة وانطلاقة لمشاريع جديدة.
وعلى صعيد الحياة الاجتماعية جاء في مشروع قانون المالية وبما لا يدع مجالا للشك، أن الحكومة ماضية في سياستها الاجتماعية وسياسة الدعم بالرغم من الوضعية الاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم، إلا أن مشروع قانون المالية للعام المقبل لم يحمل أي ضرائب جديدة على المواطن البسيط.
وجاءت ميزانية سنة 2023 وفق القانون العضوي 18/15 المتعلق بقوانين المالية والذي ينص على الانتقال من منهجية ميزانية الوسائل إلى ميزانية البرامج والأهداف، لذا فحتى طريقة تقديم مشروع قانون المالية هذا العام تختلف عن السابق، إذ نلاحظ عدم وجود تقسيم كلاسيكي اعتدنا عليه إذ تقسم الميزانية الى ميزانية التسيير وميزانية التجهيز.
ولأول مرة ستقوم الحكومة بإعداد ميزانية السنة وفق منهجية جديدة، حيث سننتقل من ميزانية تم إعدادها وفق منطق الوسائل، بمعنى أن كل وزارة أو هيئة عمومية يتم تحديد الغلاف المالي لها، ويُشرع في صرف ذلك الغلاف المالي طوال السنة. لننتقل اليوم إلى منطق جديد، وهو أن لكل إدارة عمومية أو قطاع وزراي مجموعة من البرامج، والأهداف المتوقعة من هذه البرامج، ومن ثم يتم رصد المبلغ المالي المناسب.
ارتفاع الايرادات الى ما يقارب 79 ألف مليار دينار جزائري
والملاحظ من مشروع قانون المالية هو ارتفاع الإيرادات العامة للدولة التي انتقلت من 54 ألف مليار دينار جزائري الى ما يقارب 79 ألف مليار دينار جزائري، بالإضافة الى ارتفاع الجباية البترولية من 21 ألف مليار دينار جزائري الى 32 الف مليار دينار جزائري، فيما زادت الميزانية العامة للدولة بأربعة آلاف مليار لتبلغ أكثر من 13 ألف مليار دينار جزائري بعد أن تجاوزت السنة الماضية 9 آلاف مليار دينار، وهو ما يعادل ارتفاعا بنحو 40 بالمئة.
ويرسم هذا الارتفاع في ميزانية الدولة معالم التكفل بالزيادة في الأجور ومنح المتقاعدين ومنح البطالة وتكاليف أخرى، ما يوحي بأن ميزانية التسيير ستكون كبيرة العام المقبل، كذلك ميزانية التجهيز أو الاستثمار العمومي، فمن المرتقب ومن خلال نص مشروع قانون المالية أن تكون هذه الميزانية كبيرة هي الأخرى، خصوصا بعد تعهد الحكومة بأن تكون 2023 سنة إطلاق كل البرامج والمشاريع المجمدة، خاصة في التجهيزات العمومية كقطاع الصحة الذي يعرف توقفا في بعض مشاريع بناء مستشفيات كبرى عبر عدة ولايات، بالإضافة الى إطلاق برامج جديدة تتناسب وتطلعات الشعب الجزائري.
ويقترح مشروع قانون المالية لسنة 2023 توسيع آلية فرض الضريبة الجزافية الوحيدة على الهامش لتشمل جميع عمليات تسويق المنتجات ذات الاستهلاك الواسع المسقفة.
وتضمنت المادة 15 من المشروع، الذي تحصلت “الشعب” على نسخة منه، تعديلا على أحكام المادة 282 مكرر 2 من قانون الضرائب المباشرة والرسوم المماثلة لتصبح: “فيما يتعلق بالمكلفين بالضريبة الذين يقومون بتسويق منتجات واسعة الاستهلاك ذات أسعار أو هوامش محددة أو مسقفة بموجب التنظيم، فإن الأساس الخاضع لهذه الضريبة يتمثل في الهامش المحقق”.
خبير اقتصادي: مراعاة الطابع الاجتماعي للدولة
ويرى الخبير الاقتصادي الأستاذ عبد الرحمن هادف، أن عملية إعداد قانون المالية تم مراعاة الطابع الاجتماعي للدولة فيها ، لذلك تفادى هذا القانون إصدار أي ضرائب جديدة أو الرفع من الضغط الضريبي الموجه للمواطن، وهذا من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية والمستوى المعيشي للمواطنين.
وأضاف أنه وفي نفس الوقت جاء هذا القانون من أجل المحافظة على التوازنات الكبرى وبعث النشاط الاقتصادي في مختلف القطاعات التي ستسمح بتثمين كل المقومات والثروات التي تزخر بها البلاد، وهذا طبقا للتوجهات الجديدة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وطبقا لمشروع التحول الاقتصادي الذي اعتمدته الجزائر في هذا المجال.
ومن الجانب الضريبي وحسب قراءة أولية يرى الأستاذ هادف أن هناك تحيين لبعض الرسوم والطوابع والرسوم الجمركية، وبالإضافة الى هذا، فإن القانون حمل تشجيعا لبعض النشاطات، خاصة وأنّنا اليوم بصدد مناقشة أيضا القانون المخصص للمقاول الذاتي، لذا ما جاء في قانون المالية 2023 يخص أيضا الرسوم المتبعة في هذا المجال.
وما يستشف من قراءة مشروع قانون المالية للعام المقبل أنه يأتي كآلية لتدعيم ودعم الاستثمار بصفة فعلية، وجعل النشاط الاقتصادي في صلب التوجه الجديد والسياسات العامة الجديدة.
وأشار الأستاذ عبد الرحمن هادف أن الجديد الذي حمله قانون المالية لسنة 2023، فيما يخص تجسيد القانون العضوي في تسيير قانون المالية الذي أصبح قانونا برنامجيا ويرتكز على مبدإ الأهداف وليس الإمكانيات وهو ما يعطي نظرة بأن هناك عملا كبيرا في تحسين حوكمة المالية العمومية وخاصة فيما يتعلق بالميزانية.
ويُرتقب اجتماع المجلس الشعبي الوطني لإحالة مشروع قانون المالية لسنة 2023 على اللجنة المختصة وهي لجنة المالية والميزانية، هذه الأخيرة ستعقد فيما بينها اجتماعا أوليا لتحديد طريقة العمل والتحضير لاستقبال وزير المالية وتحديد عدد القطاعات الوزارية التي سيتم الاجتماع معها لمناقشة مشروع القانون.
اجتماعات ماراطونيه وأشغال متواصلة ستدوم الى ساعات متأخرة من الليل تنتظر لجنة المالية والميزانية الأيام القادمة، وهو ما يندرج ضمن نشاط اللجنة والنائب بالمجلس الشعبي الوطني وفق ما يكفله الدستور الجزائري.