مثلما واكب الإعلام الوطني كافة مراحل ثورة التحرير المجيدة إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية، ومن ثم مرحلة البناء غداة الاستقلال، يواجه، اليوم، رهانات وتحديات هامة في حضن الجزائر الجديدة.
إبّان ثورة التحرير، حمل رجال الإعلام مسؤولية تاريخية ورسالة وطنية ثقيلة، حيث أسمع صوت الجزائريين إلى العالم، من داخل وخارج البلاد، ونقل صورة فرنسا الاستعمارية على حقيقتها، من تخريب وتدمير وجرائم رغم التضييق، وكانوا سدّا منيعا ضدّ مغالطات ودعاية الترسانة الإعلامية للمستعمر.
تحصين الجبهة الداخلية والدفاع عن مصالح البلاد
جرائد على قلتها وقناة إذاعية «صوت الجزائر» (تصدر من دول صديقة مساندة لثورة نوفمبر، مثل تونس، القاهرة، ليبيا ويوغسلافيا)، سلطت الضوء على أهداف ومبادئ بيان أول نوفمبر وثورة التحرير، فالإعلام خاض معركة حقيقية إلى غاية استرجاع السيادة، ليرفع بعد الاستقلال تحديات أخرى رحاب الجزائر المستقلة.
اليوم، الإعلام في الجزائر أمام رهانات وتحديات جمّة ترتبط بسياقات عديدة، منها ما هو متعلق بمواكبة سياسة الجزائر الجديدة، وأخرى تتعلق بالمشهد الإقليمي للبلاد، الوطن العربي، والمجتمع الدولي عموما، من تحوّلات تنبئ بإفراز متغيرات دولية جديدة.
معلوم أنّ الجزائر قطعت، في آخر ثلاث سنوات، شوطا مهما في مسار إعادة البناء المؤسساتي، ووضعت لبنة تكريس دولة القانون والمؤسسات، وباشرت حزمة من الإصلاحات في مجالات وقطاعات كثيرة تجسد تصور الجزائر الجديدة، منها ما بدأت تظهر ثماره جليا، خاصة على الصعيد الدبلوماسي، التجارة الخارجية.. الخ.
والظاهر أنّ المؤسسات الإعلامية في الجزائر، سواء عمومية أو خاصة، تساير تحديات البلاد، كما تساير في الوقت ذاته رهانات تفرضها ممارسة إعلامية تحتكم إلى استخدامات تكنولوجية، تختلف عن الممارسة التقليدية في بعض الجوانب، لاسيّما ما تعلق بخصائص جماهير تتواجد على شاشات رقمية صغيرة، تختلف عن جمهور الإذاعة، التلفزيون والجرائد المكتوبة.
من هنا يبرز الدور الهام للإعلام في مسايرة سياسة الجزائر الجديدة ومرافقة جهود التنمية والتطور، وأيضا في تحصين الجبهة الداخلية والدفاع عن مصالح الجزائر والردّ عن حملات مغرضة اشتدت، في آخر السنوات، لاسيما في ظل ما بات يطلق عليه بـ «حروب الجيل الخامس» التي تستهدف إقامة حواجز بين المجتمعات وحكومتها بإثارة فتن وأزمات، لذلك فإنّ قطاع الإعلام – وفق مختصين – ملزم بمسايرة الاستخدامات التكنولوجية في ظل تنامي مخاطر حروب الجيل الرابع، من أجل تعزيز أدوات مواجهة المخاطر.
ويرى متابعون للشأن الإعلامي أنّ تكييف أدوات الممارسة الإعلامية مع استخدامات مهنية جديدة، بات يفرض – في حدّ ذاتها- تحديات من نوع آخر، تتعلق أساسا بالمسؤولية القانونية والاجتماعية، وهو ما يقتضي تنظيما أشمل.
في المقابل، تحرص السلطات العليا للبلاد على تعزيز دور الممارسة الإعلامية وترقيتها، من خلال توفير بيئة عمل ملائمة تسمح بممارسة مهنية واحترافية، وفق مقاربة تشاركية، وهو ما يتجلى في توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أسدى تعليمات في اجتماع مجلس الوزراء، الشهر الماضي، بتنظيم أشمل لمجال الصحافة المكتوبة والإلكترونية، لإبعادها عن كلّ أشكال الاستغلال، مع التصريح بمصادر التمويل، مؤكدا أنّ الآليات تضمنها هذا المشروع تستند إلى منطق حماية الصحفيين وتهدف إلى النهوض بقطاع الإعلام.
كما انصبت توجيهات الرئيس على دور المجلس الأعلى للصحافة، في الشقّ المتعلق بالقانون العضوي للإعلام، من حيث ضبط المفاهيم في تحديد الفئات المهنية لقطاع الإعلام، وكذا التفريق بين الإخلال بالأخلاقيات المهنية وما هو جزائي، واستحداث مجلس أعلى لأخلاقيات المهنة، يكون من صلاحياته البتّ في القضايا ذات الطابع المهني، في كلّ التخصّصات الإعلامية.