تهيئة بيئة اقتصادية مشجعة على الاستثمار والتصنيع، تُعزز القدرات الإنتاجية لبناء اقتصاد ذي قدرة تنافسية عالية، من ضمن الأولويات الاقتصادية للسلطات العليا في البلاد، في المرحلة الراهنة، انطلقت بحزمة إصلاحات تشريعية وهيكلية، منها ما جُسدت على أرض الميدان وأخرى قيد التنفيذ.
إعادة تنشيط مناطق صناعية في استثمارات جادة، إلى جانب السماح بإنشاء مناطق جديدة من قبل الخواص، واستحداث مناطق نشاطات خاصة بالشباب وأصحاب المهن الحرة، من بين أبرز الملفات التي تناولها اجتماع مجلس الوزراء، الأحد المنقضي.
إذ يُنتظر أن تركز الحكومة، في صياغة مشروع قانون خاص بإعادة بعث مناطق النشاط الصناعي واستحداث مناطق جديدة تراعي طبيعة أنشطة ومهن مؤسسات صغيرة، على زوايا وجوانب تتوافق ومخطط الإقلاع الاقتصادي والتوجه نحو تجسيد استثمارات ذات قيمة مضافة.
ومن منطلق الأهمية الحيوية التي تكتسيها مناطق النشاط في الفعل الاقتصادي، من حيث كونها إحدى مرتكزات مناخ أعمال يُشجع المستثمرين ويحتضن المبادرات الجادة، أسدى رئيس الجمهورية جملة من التوجيهات للحكومة تخص التحضير لإعادة بعث نشاط المناطق الصناعية، من خلال مشروع قانون يُعرض لاحقا على مجلس الوزراء.
وتتكفل مصالح وزير الداخلية والجماعات المحلية، وفق مخرجات اجتماع مجلس الوزراء، باستحداث فوري لبطاقة تقنية حول وضع كل المناطق الصناعية بالولايات، من حيث النشاط والملكية العقارية.
ومن جملة التوجيهات المسداة، أكد الرئيس تبون أن “العبرة ليست بكثرة استحداث المناطق الصناعية، بل بجدواها الاقتصادية، من خلال استحداث مناصب الشغل وتحريك الاقتصاد الوطني، لجلب الاستثمار الحقيقي المنتج، وليس بالقرارات الإدارية.”
ويقتضي أن تراعي الحكومة في صياغة مشروع القانون المذكور متطلبات استحداث مناطق نشاطات ذات قيمة مضافة، في كل بلدية، موجهة إلى فائدة الشباب، على أن يتم – مثلما جاء في توجيهات الرئيس- “التفكير في تنظيم جديد وعميق، وحده كفيل بالنهوض بالاقتصاد الوطني، تكون فيه الدولة مرافقة لأصحاب الأفكار والمبادرات بعيدا عن الريع والربح السريع، كما ساد سابقا.”
إصلاح اقتصادي شامل..
ما يُتخذ من قرارات وخطوات في إطار إصلاح اقتصادي شامل، يُشير إلى عزم السلطات العليا في البلاد على تهيئة شروط بناء اقتصاد متوازن، بتوفير كل المتطلبات المساعدة على استحداث نسيج من المؤسسات والمشاريع المنتجة، توسع مداخيل الخزينة العمومية وتلبي حاجيات السوق المحلي، إضافة إلى توفير مناصب شغل تخفض معدل البطالة أدنى مستوياته..
في قراءة لمخرجات اجتماع مجلس الوزراء، في الجانب المتعلق بمناطق النشاط الصناعي، يقول رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسسات، يوسف ميلي، في تصريح لـ “الشعب”، إنها خطوات منتظرة بالنظر إلى واقع المناطق الصناعية بالجزائر، في ظل غياب إحصائيات دقيقة حول عدد المؤسسات التي لا تزال في حالة نشاط “أغلب المناطق الصناعية التي كانت في وقت مضى مفخرة الصناعة الجزائرية تقريبا شبة ميتة اليوم”.
من وجهة نظر ميلي، لا يمكن الإقدام على خطوة إلى الأمام ما لم يتم ترتيب هذا الملف، وهو ما يُعلل التعليمات الموجهة لاستحداث فوري لبطاقة تقنية حول وضع كل المناطق الصناعية بالولايات، من حيث النشاط والملكية العقارية، تسمح بتشخيص وضع هذه المناطق، خاصة تلك المناطق الكبرى التي كانت فخر الصناعة الجزائرية “للأسف اندثرت وتحولت عن وجهتها الحقيقية”.
مناطق النشاط الصناعي، وفق المتحدث، تعد رأس مال أي اقتصاد، ومن خلالها يمكن “فهم وضع الصناعة في أي بلد، وبالتالي نعتقد أن أهم نقطة تكمن في إعادة ترتيب هذه المناطق بحيث تكون لدينا صورة واضحة وتخطيط للمستقبل بناء على الأهداف المسطرة”
ومن النقاط الهامة في اجتماع مجلس الوزراء، أيضا، يُشير المتحدث إلى الجانب المتعلق بإنشاء مناطق صناعية خاصة، وهو ما يعطي – يضيف – دفعا كبيرا للاقتصاد الجزائري ويُغير النظرة السائدة حول واقع الاستثمار في الجزائر، ويقول: ” سوف نتغلب على مشكل العقار الصناعي، إذا جسدت الحكومة مشروع المناطق الصناعية الخاصة، سيكون بمثابة قفزة نوعية.”
وعن احتمالات تجسيد مناطق صناعية خاصة، يوضح المصدر أنه في العادة تتكفل الحكومة بتوفير العقار مجانا لفائدة مجموعة من المتعاملين الاقتصاديين، بحيث يتكتل هؤلاء في إطار تعاونية ويتحملون على عاتقهم تهيئة هذه المناطق: ” هذه الخطوة تسمح بتقليل العراقيل البيروقراطية في تجسيد الاستثمارات.”
وبخصوص استحداث مناطق نشاطات، في كل بلدية موجهة إلى فائدة الشباب وأصحاب المهن الصغيرة، لامتصاص البطالة، يبرز مصدر “الشعب” ضرورة الأخذ في الحسبان تجارب سابقة فشلت في تحقيق الأهداف الاقتصادية، من أجل عدم تكرار نفس الأخطاء التي تؤدي حتما إلى نفس النتائج، على حد قوله.