«إرضاء الناس غاية لا تُدرك».. هكذا حفظناها منذ درجنا في بدايات التعلّم الأول، وكنا نلتقيها في النصوص، نثرية وشعرية، ونلتهمها قصصا وحكايات ونكتا، حتى رسخت في أذهاننا، وصارت من الثوابت التي لا يمكن نقضها، فـ”الناس” لا يرضون حتى إن بذلت لهم نور العينين، ولا يقبلون حتى إن فرشت لهم الأرض ياسمينا.. غير أن «الحياة»، وهي المدرّس المخلص، تمنحنا كل يوم ما يدل على أن «إرضاء الناس» ممكن جدّا، ولا يكلّف شيئا أكثر من الإنصاف، والمعاملة الحسنة، والصّدق والقبول، أي أنّه لا يكلف سوى ما هو من صفات الإنسان السّويّ..
والحق أن الأصل في الذين (لا يرضون)، أن الرضى أبعد من أن يتسلل إلى قلوبهم؛ ذلك لأن المسألة معهم لا تتعلّق بحجّة منطقية، أو مطلب يتحقق، أو غاية تُدرك، وإنّما هو (العدوان) الصّريح الذي لا يبدّده موقف عادل، ولا رأي منصف، ومنه ما نعرف عن أولئك الذين قالوا (لن نؤمن لك حتى تفجّر لنا من الأرض ينبوعا)، ولكنهم لم يكتفوا بالينبوع، فطالبوا بـ (جنة من نخيل وعنب)، بل اشترطوا أن (يسقط عليهم السماء كسفا)، وبالغوا حتى قالوا (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا)، ثم راحوا يعدّدون المطالب، ويشترطون كل ما يعتقدون أنّه مستحيل التحقيق، ما يعني أن (إرضاء) هؤلاء لا يمكن إدراكه فعلا، والعاقل وحده من يستطيع أن يفهم الإجابة الصارمة: (سبحان الله، هل كنت إلا بشرا رسولا)..
«إرضاء الناس غاية لا تدرك»، في حقيقتها، مقولة لا تقصد الناس، وإنّما تقصد غير العاقلين منهم، وهؤلاء (ناس مجازا) فقط، فالإنسان إنما هو العاقل الذي يعرف كيف يشغّل النورونات المتراكمة في دماغه، والباقي «أشياء» ليست (ناسا) بالضرورة.. والحديث قياس..