سعت الدول العربية في عديد المناسبات لرفع مستوى التعاون الاقتصادي بينها، وهذا باستحداثها لآليات تنسيق هدفها الأساسي هو توسيع نطاق الشراكات الموجودة، غير أن مستويات التبادل التجاري العربي لم تكن في مستوى تطلعات الشعوب لحد الآن، إذ لا تتجاوز 7 في المائة، مقارنة بـ 65 في المائة بين الدول الأوروبية، و49 في المائة بين دول القارة الأميركية.
وبالنظر إلى مختلف التطورات السياسية والجيو – استراتيجية الحاصلة على المستوى الدولي، يرى خبراء ومختصون أن قمة الجزائر، ستكون فرصة العرب لإحقاق هدف التكامل الاقتصادي المنشود منذ سنوات مجابهة لتحديات المرحلة.
يؤكد أمين عام اتحاد الغرف العربية الدكتور خالد الحنفي، في تصريح لجريدة “الشعب” أن القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر تشكل محطة مهمة للتكامل العربي، لاسيما بعد الأزمات العالمية المتتالية التي عرفها العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وينتظر أن تشكل انقشاعا صريحا في الرؤية يُمَكن (التكامل العربي) من النظر إلى الأمام بوضوح، كما تتيح القمة فرصة حقيقية للعرب للجلوس معا بعد أن التقطت الأحداث أنفاسها وبعد أن أعادت الأزمة الروسية ـ الأوكرانية الاستقطاب الدولي من جديد وأعادت معها ملفي الطاقة والأمن الغذائي للواجهة الدولية، حيث سيشكلان أبرز الملفات التي ستناقشها الجامعة العربية في القمة 31.
ويرى ذات المتحدث أن التحديات الماثلة تستدعي اتخاذ إجراءات عملية وعاجلة لتفعيل العمل الاقتصادي العربي المشترك بناء على إستراتيجية جديدة تحاكي لغة الحاضر والمستقبل وتستهدف المواطن العربي وأولوياته واحتياجاته وطموحاته وتطلعاته المستقبلية، كما أن الطريق إلى الأمام –يؤكد الدكتور خالد الحنفي- يستدعي التسلح بالتكنولوجيا والرقمية، واستعادة زخم التعاون من خلال شق طرق وأساليب جديدة وعملية ترتكز على مبادئ الاستدامة وتنتهج الريادة والابتكار في العمل، وتستنهض طاقات الحكومات والقطاع الخاص والسواعد الشابة ومؤسسات العمل العربي المشترك لدفع عجلات الإنتاج الصناعي والزراعي والغذائي والخدماتي، وتعزيز حركتي التجارة في السلع والخدمات وفي الاستثمار البيني كما ونوعا.
ويضيف أمين عام اتحاد الغرف، أن المطلوب اليوم وضع مسار التكامل على سكة واقعية من خلال تحديد تطلعات تكاملية قابلة للتحقيق، وما ينطوي عليه ذلك من أهداف مرحلية وإستراتيجية ترمي إلى إعادة هيكلة الاقتصادات العربية تعزيزا لدور القطاع الخاص في تحقيق التنمية والتنوع وتنشيط واستقطاب الاستثمار وتوليد فرص العمل، بالإضافة إلى ضرورة الانتهاء من إعداد الاتفاقية الجديدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في المنطقة العربية، بما يسهل وينمي الاستثمارات العربية البينية، ويوفر المناخ الملائم والحماية اللازمة لها.
ويتابع الدكتور الحنفي أن تحقيق مسعى التكامل الاقتصادي العربي يستدعي إزالة المعوقات التي تواجه منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى من القيود الجمركية وخصوصا غير الجمركية، تمهيدا للانتقال إلى الاتحاد الجمركي ومن ثم السوق المشتركة، التي تحتاج هي الأخرى إلى تقوية الربط البري الطرقي والسككي والبحري واللوجستي الذي يلعب دورا أساسيا في كفاءة التجارة والاستثمار، علاوة على إعادة الاعتبار للنقل البحري العربي بالاستثمار في تجهيز موانئ محورية عربية وربطها بشبكة خطوط بحرية بين الدول العربية ومع العالم، وبناء مناطق لوجستية مرتبطة بمجمعات إنتاجية صناعية وزراعية تحقق قيمة مضافة، وكذا تسهيل حركة تنقل أصحاب الأعمال بين الدول العربية من خلال الإسراع بإعداد وإقرار “اتفاقية التأشيرة العربية الموحدة لأصحاب الأعمال والمستثمرين العرب”.
ويرى ذات المتدخل أن تحقيق هذه الأهداف الاقتصادية التي ينتظر أن تثار في قمة الجزائر، يستدعي كذلك وضع إستراتيجية عربية للتحول الرقمي والأخضر والاقتصاد الدائري والتشاركي استنادا على الثورة الصناعية الرابعة التي تستهدف تطوير البنية التحتية الرقمية التشريعية والتكنولوجية، وتعزيز الوصول إلى شبكات النطاق العريض، وتعزيز الابتكار والإبداع، ورقمنة الخدمات الحكومية، ودعم الأعمال الرقمية الصغيرة والمتوسطة، مع تعزيز الإستراتيجية ببرامج تنفيذية ومبادرات من الحكومات العربية والقطاع الخاص لتشجيع الشباب على الإبداع الرقمي، وذلك امتثالا بالمبادرات التي يقوم بها اتحاد الغرف العربية، مثل مسابقة رالي العرب، ومبادرة العيش باستقلالية لأصحاب الهمم.
من جهته، يتوقع الأمين العام للاتحاد العربي للمعارض والمؤتمرات الدولية محمود الجراح في مقابلة مع “الشعب”، أن تكون أطروحة التكامل الاقتصادي العربي وسبل تفعيل الشراكة العربية من خلال تعزيز التعاون البيني في مجالات الزراعة والغذاء والصناعة والطاقة، إحدى أبرز النقاط الاقتصادية التي سيتم التشديد عليها خلال القمة، وهذا في ظل الظروف التي يواجهها العالم بشكل عام، خصوصا مع تفاقم أزمة الطاقة العالمية وتناقص كميات القمح المعروض في الأسواق الدولية، وعليه لابد على أعضاء الجامعة العربية ـ يضيف المتحدث ـ أخذ العبرة من مرحلة الأزمة الصحية التي نجمت عن تفشي فيروس كوفيد 19 خلال السنتين الماضيتين، حيث كان بالإمكان مقاومة آثارها بشكل أمثل، لو كان هناك تكاملا اقتصاديا عربيا موحدا وحقيقيا، وعليه فالمرحلة الراهنة بمتغيراتها السياسية والجيو ـ استراتيجية تملي التوجه نحو تكتل اقتصادي عربي لمجابهة الهزات الاقتصادية العالمية وترقية التعاون الاستثماري والتجاري بين دول المنطقة، عن طريق تفعيل آليات الاستغلال العملي لمنطقة التجارة العربية الحرة، تماما كما تفعل باقي الأمم المتكتلة في تحالفات اقتصادية وإقليمية تخدم مصالحها المشتركة.
ويبرز محمود الجراح، أن قطاع صناعة المعارض والمؤتمرات الدولية هو من القطاعات المحركة لفرص الاستثمار والشراكة والأدوات الرئيسية للولوج إلى الأسواق العربية والدولية من خلال التعريف بالمنتجات العربية، وبناء على ذلك وجب التركيز عليها في المنظور القريب لتأسيس منظومة ترويج وتسويق عربية صلبة وفعالة.
وفي سياق متصل، يرى منسق مجلس رجال الأعمال الأردني الجزائري خالد الصعوب، في حديثه لجريدة “الشعب”، أن هناك دائما نقاط كلاسيكية تتطرق إليها القمم العربية في كل مرة بغض النظر عن الظرف الزماني والمكاني، فدائما ما تناقش المجالس الاقتصادية التابعة للقمم العربية مواضيع الفقر والبطالة وكيفية استحداث صناديق للتنمية المستدامة واستغلال الصناديق السيادية المتواجدة على مستوى مختلف الدول، لإقامة ودعم المشاريع الاستثمارية في المنطقة العربية.
ويتوقع المتحدث أن تخصص مساعدات وتمويلات مالية لبعض الدول من أجل مساعدتها على تجاوز ظروفها المتأزمة. غير أن ملف ضعف التبادل التجاري بين الدول العربية وكيفية إنشاء اتحاد جمركي بينها حتى تستطيع تسيير عملية التبادل التجاري الحر سيحظى بأهمية بالغة، على غرار ملف الأمن الغذائي الذي تفرضه المرحلة والأمن الصحي والطاقوي والتغير المناخي الذي يستدعي التوجه التدريجي إلى الاعتماد على مصادر طاقة بديلة ونظيفة.
ويضيف خالد الصعوب، أن مسألة آفاق تطوير وترقية الاستثمار العربي المشترك، نقطة مهمة أخرى يُتوقع أن تدرج في أجندة القمة، من خلال التركيز على دور الصناديق السيادية للدول العربية وكيفية توجيه استثماراتها داخل المنطقة العربية، تجسيدا لمسعى التكامل العربي الاقتصادي، الذي أصبح ضرورة ملحة في هذه المرحلة أكثر من المراحل السابقة، بالنظر إلى المستجدات والمتغيرات الحاصلة على المستوى الدولي، والتي لا يمكن مواجهتها فرادى يؤكد منسق مجلس رجال الأعمال الأردني الجزائري.
الأمن الغذائي.. التحدي الأكبر
وبحسب أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة المدية الدكتور عمر هارون، فإن الجانب السياسي سيطغى على أشغال قمة الجزائر نظرا للتحديات العربية الظرفية وحجم الأزمات السياسية والأمنية التي تعيشها عديد الدول العربية، غير أن الرهانات الاقتصادية والصحية لا تقل أهمية خلال هذه المرحلة، ويعتبر الدكتور هارون أن أزمة كوفيد 19 وضحت للعالم ضرورة الصناعات الصحية لضمان أمن صحي مستدام، ولأجل ذلك يتوجب على الدول العربية اليوم التفكير في كيفيات وضع سياسات صحية متصلة فيما بينها، تضمن لها التكامل في حال وقوع أزمات مستقبلية.
علاوة على ذلك، فإن الأمن الغذائي يعتبر التحدي الأكبر الذي يواجه كافة الدول العربية اليوم، خاصة تلك التي تشهد مصاعب تغذوية جمة، مثل الصومال وجيبوتي واليمن وسوريا، تماما كما ذكرت رئيسة صندوق النقد الدولي في إحدى تصريحاتها الحديثة، ويؤكد ذات المتحدث أن قمة الجزائر ستكون فرصة لدراسة آليات تحقيق الأمن الغذائي العربي المستقبلي اعتماداً على مقدرات وثروات المنطقة.
ويوضح أستاذ العلوم الاقتصادية أن إحقاق التكامل الاقتصادي العربي أمر جد متاح، وينبغي فقط إتباع الآليات المناسبة لذلك، على رأسها الاستغلال الأمثل لمنطقة التجارة العربية الحرة الكبرى، التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2009، وهي تحتاج اليوم إلى دفعة سياسية عربية مشتركة تمكن المتعاملين الاقتصاديين العرب من الاستفادة من مميزاتها والرفع من نسبة التبادل التجاري العربي البيني التي لا تتجاوز 7 بالمائة، مقارنة بـ 65 في المائة بين الدول الأوروبية، و49 في المائة بين دول القارة الأميركية، وهو رقم ضعيف جداً يؤكد الدكتور عمر هارون، بالنظر إلى الإمكانات التجارية المالية الهائلة المتوفرة، وعليه ستكون القمة الـ 31، مناسبة سانحةً لتطوير إستراتيجية التعاون بين الدول العربية للوصول بحجم التبادل إلى مستويات ترقى إلى تطلعات الحكومات والشعوب.