تحظى عادة المواضيع السياسية والأزمات التي تعيشها المنطقة العربية بنصيب الأسد من انتباه الإعلام قبل انعقاد القمم العربية، دونما إيلاء اهتمام كبير بالمواضيع الاقتصادية وفرص تعزيز التبادل التجاري.
لا يقل التعاون الاقتصادي أهمية على التنسيق السياسي والأمني، وقد يكون في بعض الحالات مدخل لتعزيز التعاون العربي – العربي على أكثر من صعيد بعيدا عن الخلافات السياسية، لاسيما وأن التحديات التي تعرفها الدول العربية على المستوى الاقتصادي نفسها تقريبا، وفقا لما جاء في كلمة المندوبين الدائمين لجامعة الدول العربية خلال اجتماعهم يوم الخميس الماضي.
خلال أعمال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين التحضيري لأعمال مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، تحدث مندوب الجزائر لدى الجامعة العربية، عن أهمية ملف الأمن الغذائي العربي في التحديات العالمية الراهنة وتأثيرها على واردات الدول العربية من الحبوب، مع بروز إلحاح عربي كبير من الدول والمنظمات العربية بضرورة تقييم وضع الأمن الغذائي العربي، تم خلاله التوصل إلى تحديد جملة من المقترحات الملموسة وفي هذا الصدد سيصادق عليها القادة العرب وسيشرع في تنفيذها مباشرة بعد القمة.
وتعتبر الدول العربية من أكبر الدول المستوردة للقمح في العالم، وحسب الموقع المتخصص indexmundi تعد مصر ثاني أكبر مستورد للقمح في العالم بـ 11 مليون طن سنويا بعد أندونيسيا، كما تستورد الجزائر ما مقداره 8 ملايين طن سنويا، المملكة العربية السعودية 3 ملايين طن سنويا، تونس 1.9 مليون طن سنويا.
والدول العربية مجتمعة تعد أحد أكبر المناطق استيرادا للقمح في العالم، وقد أثرت التغيرات المناخية في العقد الأخير سلبا على إنتاج الحبوب في المنطقة بشكل عام لاسيما مع قلة التساقط وشح الموارد المائية، كما تأثر إنتاج سوريا للحبوب بالأزمة الداخلية التي تعيشها منذ سنة 2012 وكانت سوريا أحد أكبر المنتجين للقمح في العالم العربي بأكثر من 3 ملايين طن سنويا.
وتسعى الجزائر صاحبة ثاني أكبر إنتاج فلاحي في المنطقة العربية بعد مصر (28 مليار دولار) إلى تعزيز أمنها الغذائي من خلال استغلال كل مواردها الطبيعية، لاسيما ما تمتلكه من مياه جوفية في الصحراء الجزائرية، إذ تقدر بعض الجهات احتياطي المياه الجوفية في الصحراء بـ 10 آلاف مليار متر مكعب من المياه.
منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى
دخلت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى مرحلة التنفيذ في مطلع عام 1998، بتطبيق البرنامج التنفيذي لها من خلال تفعيل اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية والتي صادقت عليها تسعة عشر دولة عربية حينها، إذ تتيح المادة السادسة والمادة السابعة من الاتفاقية إقامة مثل هذه المنطقة بين الدول العربية الأعضاء في الاتفاقية.
ويأتي حرص الدول العربية على إنشاء هذه المنطقة منسجما مع التوجهات العالمية بإقامة تكتلات اقتصادية كبيرة تستطيع التعامل مع المستجدات الاقتصادية على الساحة الدولية والمتمثلة في انفتاح الأسواق العالمية بعد إقرار اتفاقيات التجارة العالمية وإنشاء منظمة التجارة العالمية، كما ساعد التقارب في نظم إدارة الاقتصادات العربية بعد اتباع معظم الدول العربية اقتصاد السوق، على إنشاء مثل هذه المنطقة.
ويعمل اتحاد الغرف العربية بإصدار تقرير سنوي عن منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى الذي يرفع إلى أعلى سلطة مسؤولة عن العمل الاقتصادي العربي المشترك، والتي تتمثل بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية.
وفي تقريره الـ 25 أكد المختصون أن الانتعاش الاقتصادي لا يستطيع احتواء التوترات المستمرة في عدد من الدول العربية في إشارة الى لبنان، سوريا، ليبيا، اليمن والعراق، هذه الأزمات كان لها انعكاسات كبيرة على التجارة الخارجية والبينية للدول العربية، ناهيك عن إغلاق المعابر الحدودية التي أثرت كثيرا على المبادلات التجارية البرية، وألحقت خسائر كبيرة صعبة الاحتواء، لاسيما خلال جائحة فيروس كورونا.
ولم تتجاوز الصادرات العربية البينية سقف 105 مليار دولار سنة 2018 ما يمثل 10.2 ٪ من مجمل الصادرات العربية، فيما لم تتجاوز الواردات العربية البينية 117 مليار دولار سنة 2017 وهو ما يمثل 12٪ من إجمالي الواردات العربية، ومن أبرز سمات التجارة العربية البينية تركزها بين دول الجوار الجغرافي.
فبالرغم من أن الأرقام تشير الى تحسن في التجارة العربية البينية منذ إطلاق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، إلا أن الإمكانيات التي تمتلكها الدول العربية مجتمعة تتيح لها في حالة استغلالها الوصول إلى أرقام أكبر، لاسيما وأن المنطقة العربية تزخر بثروات طبيعية هائلة تحديدا النفط والغاز، بالإضافة الى مساحة شاسعة تقدر بـ 13 مليون كلم مربع، وقوة بشرية تتعدى الـ 400 مليون شخص مع نسبة شباب دون الـ25 تبلغ نحو 70 بالمئة من مجمل السكان، وهي من النسب الأعلى في العالم.
كما أكد مدير إدارة التكامل الاقتصادي العربي بجامعة الدول العربية، بهجت أبو النصر، في تصريحات صحفية عقب اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري على مستوى كبار المسؤولين يوم الخميس الماضي، أن القمة العربية بالجزائر ستسهم بشكل فعال في تسريع التكامل الاقتصادي العربي.
وأضاف أن اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي سمح بمناقشة عدة مواضيع مهمة من شأنها تسريع التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، وعلى رأسها تحديث المنطقة التجارية الحرة الكبرى بغرض تكثيف المبادلات البينية.