منطقة عربية موزعة على مساحة تقدر بـ 14 مليون كلم مربع وعدد سكان يقدر بـ 415 مليون نسمة، سيلتئم رؤساؤها وملوكها تحت قبة قصر المؤتمرات، في قمة جزم الملاحظون بنجاحها، من أجل تكتل اقتصادي موحد، تفرضه الأوضاع الداخلية للبلدان العربية التي تعمل على تفادي أثار الأزمات المتتالية التي تضرب العالم، من صحية إلى إستراتيجية، سيكون فيها إحصاء كم من جائع على وجه المعمورة أولوية، لأن الحرب هذه المرة غذائية، طاقوية، رقمية بامتياز.
المجلس الاجتماعي والاقتصادي على المستوى الوزاري التحضيري للقمة العربية، منح لهذه المعطيات السطور الأولى في جدول أعماله وخرج بـ 24 توصية، سترفع إلى مجلس اجتماع وزراء الخارجية العرب، تحسبا لعرضها على طاولة القمة العربية التي ستكون أهم محاورها الاقتصادية الأمن الغذائي، المائي، التجارة البينية ومنطقة التبادل الحر العربية ونظام جمركي عربي موحد.
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد القادر سليماني، أن القمة العربية ستتمكن من الوصول إلى تكامل اقتصادي وفق رؤية إستراتيجية لتنمية شاملة ومستدامة، رؤية 2030، وبث روح التضامن العربي والتكافل، حسب ما صرحت به الأمينة العامة المساعدة هند أبو غزالة. ففي خضم الصراعات الجيو- إستراتيجية وتعدد القطبية وبروز نقاط قوة جديدة، تحتم على العرب، وقف الشقاق ووضع الخلافات السياسية جانبا والتوحد في شكل تكتل اقتصادي موحد، في ظل المنافسة والعصرنة.
قمة يريد لها القادة العرب أن تكون قمة للإقلاع الاقتصادي العربي المتكامل، حيث تم الاتفاق على 24 بندا في المجال الاقتصادي والاجتماعي، ستطرح على قادة الدول العربية من اجل المصادقة عليها يومي 01 و02 نوفمبر، تاريخ انعقاد القمة العربية.
توحيد السياسات العربية الزراعية
أول وأهم نقطة ستطرح للنقاش هي الأمن الغذائي، يقول الخبير تتمثل في توحيد السياسات العربية فيما يتعلق بالمجال الفلاحي، حيث تستورد الدول العربية ما قيمته 40 مليون طن سنويا من الحبوب و100 مليار دولار/سنويا من المواد الغذائية من دول أخرى، فروسيا وأوكرانيا تزودان هذه الأخيرة بـ 45 % من احتياجاتها من الحبوب إضافة إلى الأسمدة وغيرها.
وبالرغم من توفر الوطن العربي على إمكانيات زراعية ومخزون مائي هائل، خصوصا الجزائر والسودان ومصر والمغرب وسوريا وفلسطين ولبنان التي تتميز بأراض خصبة، يمكنها تحقيق الاكتفاء الذاتي إذا ما تمكنت من تسطير خطط واستراتيجيات فعالة تمكنها من التحكم التقني والفني في سلاسل القيم من إنتاج وتخزين وتوزيع وتوريد.
ويؤكد الخبير ضرورة اعتماد سياسات استصلاح الأراضي، من خلال إعطاء أمثلة عن تجارب كل من الجزائر وليبيا ومصر وبلدان الخليج العربي التي نجحت في إنتاج الألبان والزيوت، إلى جانب إقامة صناعات غذائية وتحويلية ستمكن البلدان العربية من تحقيق اكتفائها الذاتي آفاق 2030. كما شدد على ضرورة التضامن الاقتصادي بين هذه الأخيرة، فالجفاف وشح المياه الذي عرفته المنطقة أدى إلى انتشار المجاعة في بعض البلدان مثل الصومال واليمن ، والأزمات التي تمخضت عنها تتطلب الإسراع في تسطير إستراتيجية مائية حمائية، خاصة وأن هناك من الدول من تملك ثروة مائية مهمة كالمياه الجوفية المتمركزة في صحراء الجزائر وليبيا ونهري النيل والأردن.
2200 مليار دولار.. مبادلات تجارية عربية
وتطرق سليماني إلى التجارة البينية العربية، التي ورد تعزيزها كأحد التوصيات الـ 24، التي لا تفوق نسبتها 13.8% أو ما قيمته 114 مليار دولار سنويا، في حين بلغت صادراتها 1200 مليار دولار، 70% منها هي من المحروقات ومشتقاتها، واردات الدول العربية وصلت إلى 01 تريليون دولار، 2200 مليار دولار حجم المبادلات التجارية للدول العربية، وهو رقم ضئيل مقارنة مع تلك المبرمة مع الهند والصين والاتحاد الأوربي وجب تعزيزه والرفع من قيمته، ولأجل ذلك تم اقتراح عدة آليات وميكانيزمات تحتاج إلى تفعيل منها السوق العربية المشتركة أو منطقة التبادل الحر العربية الكبرى، إضافة إلى مشروع الاتحاد الجمركي العربي، الذي عرف بدايات متعثرة منذ سنة 2009، ليتوقف بعدها.
نظام جمركي موحد وبنك معلومات اقتصادي
وأشار سليماني إلى أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي على المستوى الوزاري أعطى توصيات وبنودا من أجل المضي ببراغماتية لتفكيك التعريفة الجمركية أو تعميمها بشكل موحد على مستوى كل الدول العربية.
كما دعا إلى التعامل بالعملات الوطنية لتعزيز قوتها وزيادة تدفقها في بلدها الأصلي وهي التجربة الناجحة التي خاضتها كل من السعودية بتعاملها بالريال السعودي والهند بالروبل الهندية. بالإضافة إلى ضرورة تفعيل الأنظمة المالية الموحدة، رقمنة التخليص، تفعيل صندوق النقد العربي لتمويل الاستثمارات العربية والتجارة البينية وإنشاء منظومة اتصالية وبنك معلومات يمكن من إحصاء الخصوصية الاقتصادية، من حيث المقومات ومختلف السلع والخدمات الخاصة بكل بلد من بلدان المنطقة العربية، فمثلا تتمتع موريتانيا بثروة سمكية هائلة في حين تتميز الجزائر بريادتها في مجال الجلود والصناعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات فيما يخص المناقصات البينية العربي.
صناديق سيادية.. لاستقطاب رؤوس الأموال العربية
وأكد المتحدث ضرورة تسهيل حركة رؤوس الأموال وإنشاء صناديق سيادية عربية موحدة تعطي الأولوية لرؤوس الأموال العربية في ظل المنافسة الشرسة من طرف الاتحاد الأوربي وأمريكا والصين لولوج الأسواق الإفريقية. حيث سجلت في هذا الإطار مبادرات منافسة مثل مبادرة الحزام الصينية ومبادرة الاتحاد الأوربي.
للإشارة بلغت قيمة الاستثمارات الصادرة للبلدان العربية أكثر من 55 مليار دولار، متوجهة كلها نحو صناديق استثمارية غربية أو في شكل سندات مالية في كل البورصات العالمية ، بالمقابل بلغت حجم الاستثمارات الواردة 38 مليار دولار.
ومن أجل وضع سياسة توزيع عادل ومتساو لهذه الاستثمارات، يدعو الخبير إلى الاستثمار في البلدان الفقيرة والغنية من حيث الثروات مثل جيبوتي ، اليمن، سوريا، لبنان وتونس التي تزخر بمؤهلات سياحية مهمة. إلى جانب تفعيل دور البورصات العربية وأسواق سندات المال وتحريرها من الاحتكار الخليجي والشرق أوسطي، وفتح المجال الانسيابي لحركة رؤوس الأموال.
أما في مجال العمالة، فقد رافع الخبير من أجل تشجيع اليد العاملة العربية للعمل في دول الخليج التي تلجأ غالبا إلى استقدام يد عاملة من دول البنغلاداش والباكستان، خاصة وأن الأمة العربية قد أنجبت كتابا ومخترعين وسياسيين والكفاءات وجيلا من الشباب قدم أقوى البراهين والقرائن على حسّ المسؤولية وروح الابتكار وقدرته على مواكبة التكنولوجيات الحديثة.
اقتصاد المعرفة.. جواز سفر إلى المستقبل
من التوصيات 24 ذكر الخبير مجال اقتصاد المعرفة، كقاسم مشترك وتوجه حتمي، تم تبنيه من طرف كل البلدان العربية، حيث تمتلك دول الخليج الآلاف من المؤسسات الناشئة. وهنا نذكر معرض دبي للابتكار والإبداع ساهم كقيمة مضافة قدمت العديد من الحلول في مجال الزراعة والتكنولوجيا العالية والرقمنة التي سيعتمد عليها من أجل تثمين الموارد الطبيعية والتحول الطاقوي، كأحد أركان السيادة الاقتصادية العربية وتحقيق المناعة الاقتصادية التي تستوجب بناء تكتل اقتصادي عربي موحد، يسمح لنا بالتصدي والمنافسة الشرسة للأقطاب المنافسة.
الصناعات التحولية لمضاعفة الربحية
باتت الدول العربية مقتنعة تماما، يواصل ذات المتحدث، بضرورة عدم تصدير منتوجاتها النفطية والمعدنية والغذائية في صورتها الخام، وسيكون من المربح اكثر التوجه إلى الصناعات التحويلية. فعلى سبيل المثال تسعى الجزائر من خلال مؤسسة “أسميدال” إلى تحقيق اكتفائها الذاتي في مجال الأسمدة الازوتية والأسمدة الفوسفاتية ، كما يجب الاهتمام بالثروة المنجمية وإقامة صناعة منجمية كمادة أولية خام للعديد من الصناعات التكنولوجية الحديثة، وهذا بالنظر إلى المقومات المنجمية الهائلة التي تمتلكها الدول العربية.
دعم شبكة النقل لتسهيل الحركة التجارية
وفي شق متصل ، أشار المتحدث إلى عصب التجارة المتمثل في توفير وسائل النقل وشبكة الطرقات التي تؤمن حركة السلع، مبرزا أهمية الاستثمار في البنى التحتية من طرقات وموانئ ومطارات على غرار الجزائر التي استثمرت أنبوب الغاز العابر للصحراء، وخط الوحدة الإفريقية الطريق الرابط بين تندوف والزويرات الموريتانية على مسافة تقدر بـ 800 كلم، بتمويل جزائري وانجاز مؤسسات جزائرية. وهي التجربة التي حبذ الخبير استنساخها من طرف العديد من الدول كليبيا وتونس. إلى جانب استثمار الموانئ المهمة كميناء جدة والإسكندرية وميناء دبي الذي يعتبر من اكبر الموانئ العالمية، يجب استغلالها من أجل خلق ديناميكية تجارية، تصنع الثروة واليد العاملة تحت مقاربة تكتل الاقتصادي العربي.