يستعرض الأستاذ أحمد مسعود سيدي علي من جامعة المسيلة، أهم الصحف الاستعمارية التي تناولت اندلاع الثورة التحريرية بطريقة انحيازية؛ لأنها كانت تمثل لسان حال المستوطنين، خاصة منها “صدى الجزائر” التي كان مسؤولوها من المقربين إلى الدوائر الاستعمارية، وتصدر بالعاصمة وضواحيها، إضافة إلى جريدة “صدى وهران” و”برقية قسنطينة.”
يؤكد الأستاذ أحمد مسعود في حديث لـ»الشعب» أنه في 2 نوفمبر 1954، كان الخط العام لجل افتتاحيات الصحف الاستعمارية، ينعت الذين قاموا بالتفجيرات ليلة الفاتح من نوفمبر بصفات أساسية: «خارجون عن القانون»، «الفلاقة»، «إرهابيون وليسوا حاملي مشروع سياسي»، وكانت الافتتاحيات تضيف – بين الفينة والأخرى – أن الثّوار كانوا «ناصريين» و»يائسين» أو «قوميين مدفوعين من طرف الشيوعية العالمية»، وكان هذا الموقف الأولي بالنسبة للصحف الاستعمارية التي تكلّمت عن عمليات الفاتح نوفمبر.
وركزت الصحف كثيرا على العملية التي طالت منطقة أريس بباتنة، إذ يشير محدّثنا إلى أن مدير «صدى الجزائر» ألان دو سيليني، سيكون من الذين شاركوا في انقلاب 13 ماي 1958 بصفته صحفيا وذا رأي سياسي، وكان من جماعة سوستال الذين اتصلوا بديغول في فرنسا وأعادوه إلى السلطة.
يقول الباحث: «الصحف الاستعمارية كانت تهول وتركز – بدرجة رئيسية – على (العمليات التخريبية) التي كانت تطال المؤسسات الاقتصادية على سبيل المثال، وتصف الثوار بـ»الخارجين عن القانون»، الذين «لا يحملون أي مشروع، بل يائسون انتهى بهم الأمر إلى انتهاج أسلوب العنف المسلح، ولا يجب بأي حال من الأحوال التفاوض معهم».
ويقول: «كانت هذه الصحف تمثل رأي المستوطنين الأوروبيين بالعاصمة، على اعتبار أنها كانت العاصمة السياسية، بحكم وجود الحكومة العامة وقيادة الجيش».
ويبرز الأستاذ الجامعي أن هذه الصحف أصبحت تركّز على قضايا أخرى، منها دعوة الإدارة الاستعمارية إلى التعزيز من توافد جنود الاحتلال، وتعزيز عمليات حظر التجوّل، والتحضير لمشروع قانون الطوارئ الذي طبق على الأوراس بداية من أفريل، فصفقت تلك الجرائد وهللت لتصريحات ميتران، وتأكيده بأنه «لا تفاوض إلا بالحرب»؛ فهي كانت تعبّر عن حقدها تجاه الجزائريين بقصد حماية مصالحها.
ويضيف قائلا: «في حدود اطلاعي ودراستي الخاصة بجرد الجرائد، لم أجد «صدى وهران» ولا «صدى الجزائر» ولا «برقية قسنطينة»، تتطرّق إلى بيان أول نوفمبر، أو على الأقل، إلى جزء منه، فما بالك تصويره وبثه!!».
ويؤكد سيدي علي، أن هذه الصحف الاستعمارية لم تنشر في أعدادها ولا مرة شعار FLN، ولم تتحدث عن الثورة، وكانت تعبر عن عقيدة سياسية قائمة على عنصرية استعمارية يمثلها المستوطنون.
ويشير محدثنا إلى أنه لا ينبغي لنا الاعتقاد أن هؤلاء كانوا عبارة عن فلاحين يملكون ضياعا، بل بالعكس، كانت لديهم فلسفة يعقوبية تعتبر الفرد الأوروبي مركز العالم، ما جعلهم يتفادون سطحيا، جزءا مما كان يروّج له «غريمهم» و»عدوهم» الجزائري؛ لأجل ذلك رفضوا حتى التعليق على بيان أول نوفمبر.
وتؤكد دراسة سيدي علي، عدم تركيز هذه الجرائد على العمليات العسكرية التي كانت تحقّق بها وحدات جيش التحرير الوطني انتصارات، بالعكس، كانت تركز على العمليات التي كان الجيش الفرنسي يحقق بعض التّقدم، أو كان يعتقل فيها المجاهدين، وتضرب صفحا، بشكل كامل، الحديث عن «المناطق المحرمة» و»المحتشدات».
ويشير الباحث إلى كيفية تعاطي هذه الصحف الاستعمارية مع هجومات الشمال القسنطيني التي كانت محطة مفصلية في تطوّر مسار الثورة، ويقول إن حديثها كان مرتكزا على الضحايا من المستوطنين، وكيف «نكلت وحدات جيش التحرير» بضياعهم وعتادهم الفلاحي، ثم يضيف أن هذه الجرائد الاستعمارية أعطت تحليلا آخر لهذه الهجومات، وقدّمتها على أنها عبارة عن «يأس القائمين على الهجومات»، وأنها «لا هدف لها سوى تلطيخ يدها بدماء الأبرياء».
ويؤكد سيدي علي أن قارئ هذه الجرائد، من المستوطنين بالجزائر، وحتى بفرنسا، سيرى في الثّوار وحوشا كاسرة، ليست لديهم أيّة قضية عادلة، بما أنهم ينتقمون من الأبرياء.
وبالنسبة لإصلاحات جاك سوستال في أوت التي أراد منها احتواء الجماهير الشعبية الجزائرية، فقد أشعلت الصحف الاستعمارية فتيل النار بأقلامها المسمومة، حينما ركزت على هذه القضية.
وركزت الصحف ذاتها، على مؤتمر الصومام عشيّة انعقاده، واعتبرته اجتماعا لثلة من «الخارجين عن القانون»، «يرغبون في إعطاء أنفسهم يافطة سياسية تنظيمية»، وكانت الصحف تدفع الإدارة الفرنسية، شيئا فشيئا، إلى التعنت ومزيد من الضغط.
ويؤكد الباحث، أن الصحف الاستعمارية أطّرها مستوطنون عنصريون بدرجة رئيسة، ويشير إلى تشكيك هذه الجرائد – في فترة من الفترات – في قادة الثورة، وعملها على التحايل عليهم والقيام بدعاية مضادة لهم، ثم يضيف أن «تطوّر الخط العام لهذه الجرائد في تعاطيها مع الثورة، كان يسير نحو تطرّف من نوع خاص، حتى إنها ظلت ترفض مجرد إصلاحات شكلية قامت بها الحكومات الفرنسية المتعاقبة، في سبيل حل الأزمة الجزائرية، وتدعوها إلى عدم تقديم أي شيء من هذا القبيل.
وقفت هذه الجرائد ضد الجمهورية الخامسة في 13ماي 1958، ونظمت محاولة انقلابية ضد هذه الجمهورية، أي ضد ديغول حين أعلن حق تقرير المصير في 6 سبتمبر 1956.
وقال محدثنا:» كان عنوان افتتاحية صدى الجزائر «لا لسياسة التخلي»، مدير الجريدة هو الذي كتب الافتتاحية، والمقصود بها: لا لسياسة التخلي يا ديغول، إنك ستتخلى عنا نحن المستوطنين، بعد أن أقررت أنك ستتعاطى مع المسألة الجزائرية باسم حق تقرير المصير، ونحن الذين أتينا بك في ماي 1958، وتعهدت أنك ستتعاطى مع القضية الجزائرية تحت بند واحد، وهو الجزائر فرنسية».
وتناولت الصحف مفاوضات إيفيان والمحادثات، بهيستريا عنصرية، وأوقدت نيران محاولة انقلابية في أفريل 1961، شارك فيها مدير «صدى الجزائر»؛ لأجل هذا، تمت مصادرة الجريدة يوم 22 أفريل 1961.. المحاولة قادها ألان سيليني.
ويواصل الباحث: «هؤلاء، وبقية الجرائد، سيشكلون الواجهة السياسية فيما يعرف لاحقا بمنظمة الجيش السري التي ستحصد ما تبقى من إمكانية الحفاظ على الجزائر، ورأينا كيف انتهى الأمر بها واتخذت بهيستريا العنف ضد كل ما هو جزائري، وانتقمت شر انتقام من الجزائريين إلى غاية جوان 1962».
ويضيف: «بعدها، تمكنت اللجنة المؤقتة التي تمخضت عن اتفافية ايفيان، بقيادة عبد الرحمن فارس، من التوقيع على اتفاق ما بينها ومنظمة الجيش السري حفظا لماء الوجه، وفي إطار اتفاقيات ايفيان»، ويؤكد أن هذه الصحف تحدثت عن قضايا الثورة بالخارج والدبلوماسية و قضايا التسليح بعنصرية.