بعد تأجيلات عدّة ولاعتبارات مختلفة، تنطلق اليوم أشغال القمة العربية في دورتها الواحدة والثلاثين، بمشاركة عدد من القادة والرؤساء والعرب، وبتوقّعاتٍ كبيرة لإيجاد مخارج لبعض القضايا المعقدة التي تتصدر الساحة العربية، أهمها ملف القضية الفلسطينية والوضع في سوريا وليبيا واليمن.
قال أستاذ القانون محمد مرسلي، إنّ اختيار الجزائر للفاتح من نوفمبر، المصادف لاندلاع الثورة التحريرية، كتاريخ لاحتضان القمة العربية لم يأت صدفة، فهو ينطوي على دلالات نابعة من مبادئ الجزائر الثابتة، والمتعلقة بضرورة لم الشمل العربي وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
استقرار الجزائر على تاريخ 01 من نوفمبر لاحتضانها القمة العربية ـ يضيف مرسلي ـ لم يكن اعتباطيا، لأنّ الرمزية التاريخية عند الجزائريين تعكس قيم النضال المشترك، وتذكّر بالتفاف العرب حول ثورتنا التحريرية المجيدة.
كما يهدف اختيار هذا التاريخ الى إلهام القادة العرب في اتخاذ القرارات اللازمة للارتقاء بالعمل العربي المشترك، وجعل هذه القمة انطلاقة جديدة نحو مزيد من التضامن والتكامل بين دول وشعوب المنطقة العربية، خاصة أنّ الجزائر كانت تدعو دائماً إلى الابتعاد عن التناحر والتمزق إيمانا منها بأنّ وحدة الصف هي السبيل الأوحد لمجابهة كل التحديات التي تواجهها هذه الدول، استنادا إلى المصير المشترك الذي يجمعها.
قمّة بتحدّيات كبيرة
إنّ نجاح الجزائر في استضافة هذه القمة العربية لم يكن سهلا على الإطلاق، يقول عادل حارش، أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الإستراتيجية بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، فقد جاءت في وقت حسّاس، وهذا بالنظر لما تعيشه المنطقة العربية من تجاذبات وخلافات سياسية عديدة، حيث كان من المقرر انعقادها سابقا في 22 من مارس الفارط غير أنّها أجّلت لتفاعل مجموعة من الأسباب، أبرزها الظروف الاستثنائية المتعلقة بجائحة كورونا، وكثرة بؤر التوتر التي تطلّبت جهودا دبلوماسية جبارة من الجزائر لإقناع كل الأطراف حضور هذه القمة التي ارتأت الجزائر تسميتها بـ “قمة لم الشمل”، والتي في تقديري يمكن الحكم على عوامل نجاحها من خلال ثلاثة مستويات.
المستوى الأول يتعلق بالمستوى التنظيمي الذي يتضمّن مدى قدرة الجزائر في تسيير هذه القمة لوجيستيا، وهو برأيي أمر ليس بالصعب على الجزائر لتوفّرها على هياكل ومنشئات رفيعة تليق بمستوى القمة ورؤساء وملوك العرب، وما يميز الجانب التنظيمي هذه المرة هو الاعتماد على الفضاء الإلكتروني، إذ تسعى الجزائر إلى إنجاح هذه القمة بدون استعمال الورق.
أمّا المستوى الثاني فيتضمّن مدى نجاح الجزائر في توفير الأرضيات المناسبة للنظر في معالجة أبرز الملفات الكبرى التي تمس الفضاء الجيوـ إستراتيجي العربي، ويتعلق ذلك بالقضية الفلسطينية والمسألة الليبية والملف السوري واليمني، وتداعيات الأزمة الروسية ـ الأوكرانية على الأمن الغذائي، والوضع العربي بالرغم من اتفاق الدول العربية على انتهاج الحياد، بينما يضم المستوى الثالث بعض القضايا الجزئية التي تشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لهذه المنطقة، خصوصا فيما يتعلق بآليات فتح منطقة تجارة حرة عبر إلغاء الحواجز الجمركية بين الدول العربية، وكذلك سبل تحسين الوضع الاجتماعي للشعوب العربية.
ومن جانب آخر، لا يمكن إنكار أنّ هذه القمة في نسختها 31 فرضتها العديد من التحديات والتعقيدات، والجزائر بذلت ولا تزال تبذل جهدا كبيرا من أجل إنجاحها استبقته بمبادرة المصالحة الفلسطينية بين الفصائل المتنازعة.
وفي سياق آخر، فإنّ الدينامية العالمية المتسارعة خاصة في الشق الاقتصادي تفرض على الدول العربية الاهتمام بهذا البعد، وجعله محورا أساسيا لتشكيل تكتل اقتصادي وسياسي عبر مراحل عديدة بدء بمرحلة التجارة الحرة الى غاية الوصول الى اتحاد سياسي على شاكلة بعض التكتلات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي.
مؤشّرات قويّة لنجاح القمّة
من جانبه، أكّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية نبيل كحلوش ان مؤشرات قوية لنجاح قمة الجزائر بدأت تظهر بوادرها جليا وهذا بفعل التنظيم المحكم ونوعية الحضور، ونتائج الاجتماعات المتواصلة ثلاثة أيام للمندوبين الدائمين وكبار المسؤولين من مختلف الدول العربية، واعتراف جل الوفود المشاركة بأنها قمة استثنائية تنظيميا ومضمونا.
ومن بين المؤشّرات التي تجلت أيضا النتائج التوافقية التي جاءت بها مشاورات وزراء الخارجية بعدما تسلّمت الجزائر رئاسة القمة على المستوى الوزاري، حيث مكّنت من الاحتفاظ بجميع مشاريع الملفات لترفع الى القادة اليوم في القمة.
إضافة الى تنامي الأصوات المنادية بابتكار الآليات التنفيذية للقرارات والمخرجات (حيث أنّ التنفيذ كان دوما نقطة ضعف للجامعة)، هذه الأصوات عكست حرصا كبيرا على التوجه نحو التفعيل، والعمل بعيدا عن سياسة البيانات الورقية.