يفصل طارق حجازي، الأمين العام المساعد لاتحاد رجال الأعمال العرب، في حوار مع «الشعب»، في التوصيات التي قدمها الاتحاد للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في جامعة الدول العربية، بهدف تذليل الصعاب أمام تسهيل تدفق الاستثمارات العربية البينية، والذي وافق بدوره على عرضها في اجتماع القمة العربية 31 المنعقدة بالجزائر، التي تعد بحسب طارق حجازي فرصة تاريخية من أجل استكمال فرص التكامل العربي بكافة مستوياته وقطاعاته الاقتصادية.
الشعب: ما هي برأيك الحلول والضوابط الإستراتيجية الواجب تبنيها حتى ترتقي المعاملات الاقتصادية بين الدول العربية إلى مستوى تطلعات الحكومات والشعوب ؟
طارق زياد حجازي: بالرغم من توقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في العام 1997 ودخولها حيز التنفيذ لدى الدول العربية في العام 2005، فهي تشهد تباطؤاً في استكمال مقوماتها التي من شأنها أن تجعلها تعمل بفاعلية أكبر لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي. فلم يتم بعد الاتفاق على قواعد المنشأ التفصيلية، وكذلك الأمر بالنسبة لغياب اتفاق حول معاملة منتجات المناطق الحرة، والتي أنشأها عدد من الدول العربية بهدف جذب الاستثمارات الصناعية والتجارية. وهناك تخوف من دخول منتجات المناطق الحرة إلى الأسواق المحلية للدول الأعضاء وحصولها على الإعفاء الجمركي ومنافسة البضائع المنتجة محلياً التي لا تتمتع بالامتيازات الاستثمارية والضريبية نفسها التي تتمتع بها منتجات المناطق الحرة. كما ويعزى ذلك في جزء منه إلى ضعف القاعدة الإنتاجية العربية وعدم اكتمال البنية الأساسية للمنطقة وممارسة العديد من الإجراءات المقيدة للتجارة في إطار المنطقة وغيرها من الموضوعات.
وحماية للصناعة الوطنية لكل دولة عربية فقد قامت بعض الدول بوضع عدد من المتطلبات والشروط غير الجمركية للسماح بدخول منتجات الدول العربية فيما بينها، منها طول فترة إجراءات اعتماد البضائع قبل دخولها، أو الانتظار على الحدود لفترات طويلة. فلا زالت نسبة التجارة العربية البينية لا تتجاوز 12% من إجمالي حجم التجارة العربية مع العالم.
وبرأيي فإن هناك العديد من الاستراتيجيات التي يجب أن تقرها الدول العربية والعمل بها لزيادة حجم التجارة البينية العربية، وذلك من خلال رفع كفاءة النقل والشحن لتكون شبكة متكاملة براً وبحراً وجواً. إضافة إلى ضرورة العمل على الوصول إلى التحرير التام لتجارة الخدمات، والتي ما زالت تواجه العديد من العقبات. وأخيراً فإنه يمكن التوصل إلى زيادة حجم التجارة العربية من خلال تكوين تكتلات اقتصادية عربية على شكل مجموعات وهي الخليج العربي ودول بلاد الشام ومصر والسودان والمغرب العربي، نظراً لتقارب تلك التكتلات الثلاث تبنى من خلالها الإستراتيجيات الموحدة والتي من شأنها رفع أحجام التجارة العربية البينية. لننتقل بعدها إلى التكامل الكبير على مستوى الوطن العربي.
كيف يمكن للدول العربية أن تغتنم التوترات والصراعات الدولية الحاصلة في صالح التأسيس لقاعدة اندماج اقتصادي تحميها من أية أزمات مستقبلية ؟
تعتمد معظم الدول العربية على استيراد القمح الروسي أو الأوكراني بالدرجة الأولى لسد حاجتها المحلية، وقد أثرت الأزمة الروسية الأوكرانية على معاناة موازنات الدول العربية والضغط عليها نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل عام والقمح والزيوت النباتية بشكل خاص، نتيجة قلة المعروض في السوق العالمي. خاصة وأن صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا تمثل 30% من حجم المعروض في الأسواق العالمية. فإن آثار الأزمة كانت ملموسة ولو بدرجات متفاوتة على اقتصادات المنطقة وتبعات سلبية مضاعفة على مستوى الأمن الغذائي والرفاه، وزاد عليه تعطل سلاسل الإمداد. إضافة إلى انخفاض تدفق السياحة الروسية والأوكرانية إلى المنطقة والتي تمثل ثلث السياحة الوافدة لمعظم الدول العربية.
وعليه فإن تجربة التكامل الصناعي بين كل من الإمارات والأردن ومصر والبحرين والتي تأسست مطلع هذا العام كانت أحد هذه التكتلات التي تشكلت كردة فعل لتطوير آليات الاستقلال الاقتصادي والتي نتطلع إلى شموله مستقبلا لكافة دول الوطن العربي. إن الاندماج الاقتصادي يشكل عاملاً رئيسياً لمواجهة مختلف تحديات الاستقلال الاقتصادي والتي تستدعي وضع استراتيجيات تكامل اقتصادي متجانس تلغي فيه تدريجياً العراقيل التجارية وتحرير النقل الحر للبضائع والأشخاص والخدمات ورؤوس الأموال وفق سياسة نقدية واقتصادية واحدة.
كما أن العديد من دول الوطن العربي تمتلك إمكانيات هائلة من إنتاج الطاقة النظيفة المتجددة التي حبى بها الله المنطقة، بحيث سيؤدي ربط شبكات الكهرباء العربية والتي اعتبرها شبه جاهزة، إلى تنمية الدول العربية وزيادة حجم الإنتاج ورفاه المجتمعات كافة، وهي فقط بحاجة إلى قرارات لتفعيلها.
ما هي رؤيتكم ومقترحاتكم لتسهيل تدفق الاستثمارات العربية البينية؟
لقد قام اتحاد رجال الأعمال العرب بتقديم حزمة من التوصيات القابلة للتنفيذ التي من شأنها تذليل الصعاب أمام تسهيل تدفق الاستثمارات العربية البينية بشكل كبير، وقد قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي في جامعة الدول العربية بإقرار عدد كبير من تلك التوصيات والموافقة على عرضها في اجتماع القمة العربية العادية 31 والتي ستعقد في الجزائر يومي الفاتح والثاني من شهر نوفمبر، وهي تعد فرصة تاريخية من أجل استكمال فرص التكامل العربي بكافة مستوياته وقطاعاته الاقتصادية.
وقد ركزت هذه التوصيات على أربعة محاور رئيسية تناول المحور الأول منها تحليل مدى تأثير جائحة فيروس كورونا على القطاعات الاقتصادية في الوطن العربي، بينما استعرض المحور الثاني الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية للمحافظة على اقتصادها من التدهور، وتناول المحور الثالث مدى قدرة القطاعات الاقتصادية في المنطقة العربية على التعافي، فيما ركز المحور الرابع على عرض حزمة من التوصيات والمقترحات والتي من شأنها المساهمة في تحقيق التعافي الاقتصادي على المستوى العربي.
على ماذا اعتمد في صياغة هذه التوصيات؟
لقد قام الاتحاد بتحليل تأثيرات الأحداث الأخيرة على مختلف الجوانب الاقتصادية منذ بدء الجائحة إلى يومنا هذا، مع التركيز على عدد من الجوانب الاقتصادية والتي نرى لها أولوية وأهمية خاصة وهي السياحة والنقل، الأسواق المالية، الاستثمار، التجارة الخارجية، كما ركزنا على تحليل أهم التحديات التي تواجه الدول العربية نتيجة الجائحة والتي من أهمها تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة في الدول العربية، وتزايد عجز الموازنات وتأثر حركة التجارة العربية البينية وتراجع حجم الاستثمار العربي البيني كذلك، الى جانب التحديات المتعلقة بتحقيق الأمن الغذائي.
وقد تضمنت التوصيات التي قدمت للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في جامعة الدول العربية، تحليلاً قطاعياً لتلك التأثيرات مع التركيز على أبرز وأهم التحديات الاقتصادية التي تواجه الوطن العربي، كما تضمنت حزمة متنوعة من التوصيات التي تؤكد على ضرورة العمل على إعادة بناء الاقتصاد في الوطن العربي ليتمكن من تحمل وتلقي الصدمات بشكل أفضل، وذلك من خلال تبني خطط تعافي اقتصادي تزيد من متانة الاقتصاد وتمنحه مرونة أكبر خاصة مع ظهور أوبئة جديدة وأزمات عالمية بين الدول تؤثر على الاقتصاد العربي بشكل مباشر وغير مباشر مع التركيز على التنمية الاقتصادية المستدامة ومحاورها الأساسية.
ومن ضمن هذه التوصيات أيضا التأكيد على أهمية تشجيع الصناعات الدوائية العربية، وتسهيل تسجيل الأدوية المصنعة في إحدى الدول العربية لدى باقي الدول الأخرى على المستوى العربي لإتاحة نفاذها بشكل أفضل إلى الأسواق، وتوجه الدول العربية نحو التعاون المشترك في سبيل تحقيق الاكتفاء الغذائي وتوفير الأمن الغذائي، وذلك من خلال بناء برامج عمل مشترك تستهدف التعاون في تحقيق التكامل الغذائي وتقليل فجوة الغذاء خاصة في ظل الأزمة الروسية- الأوكرانية وتداعياتها السلبية على الأمن الغذائي العربي.
ما هي القطاعات التي شملتها توصيات الاتحاد ؟
على المستوى القطاعي أكدت التوصيات التي قدمناها على أهمية العمل لمعالجة الصعوبات على مستوى الاقتصاد الكلي والتصدّي في الوقت نفسه للقيود المتزايدة على صعيد الموارد الطبيعية وذلك من خلال التوجه نحو الابتكارات التكنولوجية، والتعاون وبناء الشراكات في المنطقة، ودعم القطاع الخاص، وتطوير الصناعات الغذائية الإقليمية المستدامة، إضافة إلى أهمية تعزيز الأسواق المالية في الوطن العربي وتوجيه السياسات بشكل أكبر نحو تطوير أداء البورصات العربية وتحليل المخاطر التي أحدثتها الجائحة والعمل على رفع كفاءة عمل الأسواق المالية، مع التركيز على زيادة ثقة المستثمرين في الأسواق المالية العربية ومحاربة أثر الشائعة السلبي والمعلومات غير الصحيحة وتعزيز دور المعلومات الإيجابية لتشجيع المستثمرين على الاستثمار.
ففيما يتعلق بالقطاع السياحي مثلا، أكدت التوصيات أهمية التوجه نحو تشجيع السياحة الداخلية والإقليمية في الوطن العربي مع العمل على تقديم منتجات سياحية جديدة ومتنوعة وبعيدة عن الأنماط السياحية التقليدية للمساهمة في تحفيز الطلب المحلي بشكل عام والطلب السياحي بشكل خاص.
أما بالنسبة للتجارة والاستثمار على مستوى الوطن العربي، فأكدت التوصيات أهمية التوجه نحو بناء استراتيجيات لتنويع سلاسل الإمداد للحد من تقلبها نتيجة الظروف الطارئة وغير المتوقعة وإيجاد أسواق بديلة بتكاليف معقولة، وإعادة النظر في أنظمة وإجراءات الحوافز الاستثمارية لجعلها أكثر كفاءة وتقليل التشوهات الاقتصادية الناتجة عن تطبيقها.
كما بينت التوصيات ضرورة العمل على تطوير القطاع المصرفي العربي، وذلك من خلال دعم عملية الانتقال إلى الخدمات المالية الرقمية الموجهة نحو رفع مستوى الشمول المالي والتي تتيح إمكانية فتح الحسابات عن بعد من خلال استخدام الهوية الرقمية والعمل على توسيع البنية التحتية وتطوير نوعية الخدمات المالية والرقمية، كما شددنا أيضا على أهمية دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وإيلاء المزيد من الاهتمام لها وذلك لضمان استمراريتها من خلال التوجه نحو تخفيض الأعباء الضريبية عليها وتوفير التمويل اللازم لغايات دعم الإنتاج والنفقات التشغيلية، علاوة على أهمية مواصلة الإصلاحات من قبل واضعي السياسات في اقتصاديات الأسواق الصاعدة والاقتصاديات النامية والتي من شأنها التخفيف من حدة التأثر بصدمات السلع الأولية وتحد من أوجه التفاوت وعدم المساواة وتعزز كذلك من تأهب الدول العربية لمواجهة الأزمات.