وسط حضور مُميّز لقادة عرب وضيوف شرف في افتتاح أشغال القمة العربية 31 التي تستضيفها الجزائر، ركّز رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في كلمته على أمهات قضايا ومسائل البيت العربي في جوانب مختلفة، إزاء واقع المنطقة وما يشهده العالم من تحولات تقتضي رفع رهانات مشتركة، والدفع بمسار عربي يؤسّس لمرحلة جديدة ينتقل فيها العرب من التأثر إلى التأثير.
على أرض الشّهداء وفي ذكرى اندلاع ثورة التحرير، لم تخرج أوّل قمة للعرب بعد ثلاث سنوات، أثناء انطلاق أشغالها الافتتاحية على مستوى القادة، الثلاثاء المنقضي، بقصر المؤتمرات عبد اللطيف رحال بالجزائر، عن مستوى تطلّعات الجزائر في احتضان دورة عربية فارقة، من حيث التوافق والانسجام العربي حول قضايا مطروحة، تجاه ما يشهده الواقع العربي من تحديات داخلية وخارجية، وأيضا من حيث حضور مُميّز رفيع المستوى.
تكتّل اقتصادي منيع
بعد ترحيبه بضيوف الجزائر، وثنائه على ما بُذل من جهود خلال مسار الإعداد والتحضير لرابع قمة تحتضنها الجزائر، حرص رئيس الجمهورية، في صدر كلمته الافتتاحية لأشغال القمة على مستوى القادة، على التحسيس بالظروف الإقليمية والدولية الاستثنائية وصفها بـ “بالغة التعقيد والحساسية”، وتعاظم التحديات وما أفرزته من واقع دولي استثنائي تتغير فيه الموازين، إلى جانب “تفاقم ظاهرة الاستقطاب، التي تساهم وبقدر كبير، في تصعيد الأزمات مع تداعياتها على السلم والأمن الدوليين، وتلقي بظلالها على العديد من الدول لاسيما في أمنها الغذائي”.
وبخطاب واضح وصريح، دعا الرئيس تبون المجموعة العربية إلى بناء “تكتّل اقتصادي عربي منيع” يحفظ مصالح العربية المشتركة ويُحدّد الأولويات، انطلاقا من ما تتوفر عليه المنطقة من إمكانيات ومقدرات طبيعية وبشرية ومالية هائلة “تؤهّلنا أن نكون فاعلين في العالم كقوّة اقتصادية”.
من منطق استثنائية هذه القمة من حيث أجندة العمل المطروحة، يتجلّى تركيز رئيس الجمهورية على تفعيل دور العرب اقتصاديا، والانتقال من وضع التأثر إلى التأثير في المشهد الدولي، مذكّرا باحتياطات النقد للبلدان العربية، والتي تعادل دخل “احتياطي أوروبا أو مجموعات اقتصادية آسيوية أو أمريكية كبرى”.
أمّ القضايـا
فلسطين، القضية المركزية الأولى، حُظيت في كلمة الرئيس تبون، بما يوافي حقها، بداية من التذكير بالانتهاكات الجسيمة من قبل قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين، ومخطّطات طمس الهوية، إلى التفصيل في بعض جوانب ما يتعرض له الفلسطينيون من اضطهاد وحصار في مدينة نابلس وحي الشيخ الجراح، في ظل صمت عالمي رهيب.
في سياق ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ميلود ولد صديق، إنّ كلمة رئيس الجمهورية في افتتاح أشغال القمة 31 لجامعة الدول العربية على مستوى القادة، حمل إشارات قوية لما ستكون عليه هذه المنظمة في الفترة التي تترأّسها الجزائر “خاصة ما تعلق بالملف الفلسطيني”.
ومن النقّاط الجوهرية، المسعى النبيل الذي رفعه الرئيس تبون، باقتراح إنشاء لجنة اتصالات وتنسيق عربية من أجل دعم القضية الفلسطينية، مبديا استعداد الجزائر لنقل هذا المطلب الحيوي إلى الأمم المتحدة، للمطالبة بعقد جمعية عامة استثنائية لمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
وعن تأكيد رئيس الجمهورية التمسك بمبادرة السلام العربية بكافة عناصرها “باعتبارها المرجعية المتوافق عليها عربيا، والركيزة الأساسية لإعادة بعث مسار السلام في الشرق الأوسط، والسبيل الوحيد لقيام سلام عادل وشامل يضمن للشعب الفلسطيني تحقيق طموحاته المشروعة في إقامة دولته المستقلة في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية…” مثلما جاء في كلمته، يوضّح المتحدّث لـ “الشعب”، أنه بعد أيام قليلة فقط من نجاح الجزائر في تحقيق مصالحة تاريخية بين 14 فصيلا فلسطينيا، الجزائر لديها مقاربة خاصة في الملف الفلسطيني، من مرتكزاتها العمل ضمن أُطر دبلوماسية مشتركة، والضغط من أجل عودة القضية الفلسطينية إلى المشهد الدولي، وضمان عدم تغييبها.
الواقع العربي
في سياق كلمة الرئيس، وبعد تشريح عام للواقع العربي، من خلال الإشارة إلى أزمات تشهدها بعض الدول مثل ليبيا وسوريا واليمن، وما تتطلبه من جهود لحقن الدماء، وبما يحفظ سيادة هذه الدول ووحدة شعبوها من خلال استعادة زمام المبادرة العربية، ركّز الرئيس تبون، أيضا، على تحدّيات الإصلاح ومنهج جاد ينطلق من “إدراك الجميع لحقائق الواقع العربي الراهن، حيث أصبح من الضروري الإسراع في القيام بإصلاحات جذرية عميقة وشاملة لمنظومة العمل العربي المشترك حتى تتمكّن الجامعة من الاضطلاع بدورها كأداة رئيسية للعمل العربي المشترك، في مواجهة التحديات ومواكبة التطورات التي يشهدها العالم إقليميا ودوليا.”
رمزية ودلالات انعقاد القمة العربية في الجزائر تزامنا مع الاحتفال بالذكرى 68 لاندلاع ثورة التحرير، عبّر عنها الرئيس تبون في كلمته: “ إنّ اقتران انعقاد قمتنا العربية بذكرى اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر المظفّرة، ليشكّل بالنسبة لنا مبعث فخر وأمل كبيرين، فخر باستحضار التفاف الأشقاء العرب وغيرهم من أحرار العالم، حول ثورة الشعب الجزائري المجيدة للدفاع عن قضيته العادلة، وأمل في أن نتمكّن جميعا من استحضار وإحياء هذه القيم، وإعلائها في مواجهة التحديات الوجودية التي تهدّد أمن واستقرار وازدهار شعوبنا ودولنا”.
هي نقطة يقول بشأنها ميلود ولد صديق، أن اختيار هذا الموعد من قبل الجزائر لم يكن اعتباطيا، وإنما يحمل رسائل قوية نابعة من مبادئ ثورة التحرير التي ألهمت الشعوب، وتحولت إلى رمز للنضال السياسي والدبلوماسي، بما تحمله من أبعاد إستراتيجية.
توافقات ورؤى..
بالمقابل، سبق التئام أشغال مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القادة، توافقات ورؤى تجاه القضايا المطروحة، لاسيما ما يخص تفعيل عمل عربي مشترك في مواجهة التحديات الراهنة، والدفع بالقضية الفلسطينية لتتصدّر المشهدين العربي والدولي، وتوصل وزراء خارجية العرب إلى ضبط مشاريع قرارات عُرضت على القادة.