تسجل الجزائر نجاحات متتالية على الصعيدين الثنائي والمتعدد في جغرافية انتمائها العربية، الإفريقية والإسلامية وفي أكبر المحافل الدولية، مترجمة بذلك استراتيجية إعادة الانتشار الخارجي.
انتصرت الدبلوماسية الجزائرية في كل الاستحقاقات التي وضعتها على رأس أجندتها خلال السنتين الأخيرتين، وأخذت بعض الانتصارات طابعا مميزا، خاصة حين تعلق الأمر بمعارك دبلوماسية شرسة، وليس مجرد تنافس بين خيارات دول، ومثال ذلك، تجميد قرار إعطاء الاحتلال الصهيوني صفة مراقب، داخل الاتحاد الإفريقي الذي أصدره مفوض الهيئة القارية بطريقة إدارية.
والملاحظ، أن كل القضايا التي كانت الجزائر طرفا فيها، أخذت بعد «الصراع» بين أصحاب المبادئ الثابتة وتجار القضايا ذوي الأطماع التوسعية، مما أعطى معظم الأحداث والتظاهرات طابع «الاستثناء».
ووصفت دورة الجامعة العربية المقامة الأسبوع الماضي، بـ»الاستثنائية» بالرغم من كونها «عادية»، فالبلد المستضيف رفع تحديين رئيسيين، الأول إنقاذ الجامعة العربية من التلاشي السياسي، في ظل الأصوات المطالبة بإنهاء نشاطها الفعلي بمبرر «اليأس» من دورها المتراجع إقليما ودوليا.
أما الثاني، فيتثمل في تنظيمها دورتها31 على أرضه، بعد 03 سنوات ونصف من الانقطاع، متحديا المكائد والدسائس التي استهدفه تأجيلها مرات عدة وعمل على سحب تنظيمها منه.
وبعد أشهر من الدعاية الكاذبة وشحن مواقع التواصل بالخوارزميات الهدامة، تمكنت الجزائر من إعادة الوهج للجامعة العربية والعمل العربي المشترك، وأبهرت بمستوى تنظيم عال وبروتوكول استقبال راق.
وإلى جانب «إعلان الجزائر» (البيان الختامي)، الذي ترجم جليا الرؤية الجزائرية للتوافق العربي تجاه كل القضايا بما فيها الأكثر تعقيدا، وجهت القمة العربية رسالة عن مدى قوة علاقة الجزائر بمحيطها العربي، وأبطلت ادعاءات العزلة والانقباض الدبلوماسي، وعكس ذلك، برهنت بأنها دولة قادرة إلى حد كبير على كسر حواجز العزلة بين البلدان العربية، لما تحوز عليه من مصداقية المواقف وسخاء التضامن.
هذه المكاسب المحققة في وقت وجيز، جاءت بعد استحضار واضح لمقومات الشخصية الدولية للجزائر التي صقلت منذ ثورة الفاتح نوفمبر، فهي من قلائل البلدان التي تجمع بين ثبات الموقف والقدرة على تجاوز الاختلافات، في محيط انتمائها الطبيعي، الأمر الذي جعلها تُفشل كل مخططات تحويل أضواء الصحافة العالمية عن مجريات القمة العربية باتجاه «هراء» المخزن.
لقد نجحت الجزائر في إعادة العالم العربي إلى واجهة الأحداث الدولية في توقيت مفصلي، يشهد مخاض ميلاد نظام دولي جديد، من خلال استهداف الموضع الذي يفترض أنه يحرك القادة والشعوب على حد سواء، وهو «الضمير العربي»، فوحده قادر على استنهاض المعنويات المحبطة.
وتجسد ذلك، في خطاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حين قال: «علينا أن نكون قوة اقتصادية في العالم لا تكتفي بالتأثر، ولابد أن نستعيد الثقة في أنفسنا وأن يكون لنا التأثير في المشهد العالمي والاقتصادي الدولي».
ويطرح الرئيس تبون من خلال هذه المقاربة، لأول مرة في تاريخ الجامعة العربية، فكرة ألا يكون أقصى ما تصبو إليه الدول العربية، إعادة بعث جبهة الصمود في وجه الاحتلال الصهيوني، بل يجب أن يتعداها إلى صناعة عناصر قوة التأثير الحقيقية والمتمثلة في النماء الاقتصادي.
من هنا، يمكن فهم حديث وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، عن سياسة «مكبر الصوت»، فالدبلوماسية الجزائرية تشتغل بمحتوى أفكار جادة وأساسية، عكس دبلوماسيات البرميل الفارغ وقرع الدلاء الخاوية للتشويش والإساءة.
وفي وقت أضحت القضية الفلسطينية مطية لتثبيط عزائم المتضامنين وأصحاب القضية أنفسهم، أنجزت الجزائر مبادرة لمّ الشمل والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وفي وقت شديد الحساسية، سبق اجتماع القمة العربية.
وبعدما ذهبت قراءات كثيرة نحول التشاؤم، انتهى مسار 10 أشهر من الحوارات بتوقيع إعلان الجزائر، واختتام القمة العربية بتجديد التضامن العربي المطلق مع الشعب الفلسطيني واحتلال قضيته صدارة القضايا العربية.
انتصارات متتالية
ورافق النجاح الباهر في تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط بالرغم من محاولات سحبها من الجزائر، ووضع الاحتفالات المخلدة لستينية استقلال الجزائر، في حضنها العربي، الإسلامي والإفريقي، والتنظيم المميّز للقمة العربية، انتصارات أخرى على مستوى العمل المتعدد الأطراف. وتزامن الاحتفاء بيوم الدبلوماسية المصادف ليوم 08 أكتوبر الماضي، مع انتخاب القاضي الجزائري، رابح بوداش، بصفته خبيرا في اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وفي ذات الوقت (11 أكتوبر 2022)، انتخبت الجزائر، كعضو في مجلس حقوق الإنسان الأممي للفترة الممتدة بين 2023 و2025، وحازت على 178 صوتا، أي بالأغلبية الساحقة للدول المشاركة في الجلسة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وتوالت الأخبار الجيدة القادمة من نيويورك الجمعة، بانتخاب الدبلوماسي الجزائري، العربي جاكتا، رئيسا للجنة الدولية للخدمة المدنية (الوظيفة العمومية) للعهدة الثانية على التوالي ولمدة 04 سنوات مع حمله صفة الأمين العام المساعد للأمم المتحدة.
وحاز جاكتا على 121 صوتا، أي بفارق كبير جدا على خصمه المغربي الذي حصل على 64 صوتا فقط. وإلى جانب ذلك، نالت الجزائر تزكية الاتحاد الإفريقي، جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي للترشح لشغل منصب العضو غير الدائم بمجلس الأمن الدولي في الفترة 2024 – 2025.
وتعتبر هذه النتائج أولى ثمار السياسة الخارجية المسطرة من قبل رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون ضمن التزاماته الـ 54. ووضع الرئيس تبون، مراجعة الأهداف والمهام الكلاسيكية للدبلوماسية الجزائرية (العلاقات الثنائية والمتعددة) ووضع معالم دبلوماسية اقتصادية في خدمة التنمية الوطنية، ضمن الخطوط الكبرى لإعادة الانتشار الدولي للجزائر.