مما يروى أن اثنين من فارغي الشغل، تعوّدا على (العكّ والعلك) والنيل بألسنتهم من الناس، ثم أصيبا بـ«صحوة ضمير»، فقررا التّوقف عن سلوكهما المشين، واختارا أن يتوبا توبة نصوحا، فلا ينشغلان إلا بأحوالهما الشّخصية، خاصة بعد أن تبيّن لهما أن ما يصوغان من أقاويل، وما يصطنعان من أكاذيب، يذهب ـ عادة ـ أدراج الرياح، فلا ينفعهما في شيء، وقيل إنّهما أحسّا بصعوبة (التّوبة)، فاتفقا على شرط مفاده أن ينصاع من تسوّل له نفسه الحديث بالسوء على الناس، منهما، ويدفع ـ مرغما – ألف دينار لصاحبه مقابل الكلام..
وظاهر أن دفع الألف دينار مقابل الكلام، يمثل دافعا ممتازا لتجنّب الحديث عن الناس بالباطل، غير أن «العادة» – شكلا – لا تختلف عن «العبادة» في كثير من القلوب، والواحد من الناس قد يتعوّد على طريق، مثلا، فلا ينتبه إلا وهو يسلكها، أو يتعوّد على حركة، فيقوم بها دون وعي، وهناك من تعوّد على توجيه سهام من البهتان والأكاذيب والأراجيف لكلّ ما هو جزائري أصيل، فلا يهدأ له بال، ولا يقرّ له قرار، حتى يصنع أكاذيبه، ويزين بهتانه، ويصوغ أراجيفه، وهذا ما حدث مع بعض الذين تهافتوا على القمة العربية بمجرد الإعلان عنها، لأنّها قمة نوفمبرية جزائرية، حرصت على لمّ الشمل الفلسطيني، ومهّدت السبيل أمام الصرح الاقتصادي العربي، فلم يجد الـ(بعضهم) سوى اختلاق الأوهام، وعاشوا في (أحلامهم) إلى أن أيقظتهم صفعة النجاح..
الحاصول وما فيه، أن «العادة» فعلت فعلها في الاثنين اللذين جئنا بقصتهما، ولقد صبرا طويلا، واجتهدا في تجنّب الباطل، إلى أن رأيا واحدا من أبناء الحي يحمل قفة ثقيلة عبّأها بحاجيات داره، فالتفت كل واحد منهما إلى صاحبه قائلا: (شدّ الميات آلف.. والله ما راني طالڤو).. والحديث قياس..