يمرّ القائمون على الصياغة الأولى لقانون البلدية والولاية إلى السرعة القصوى في تشكيل معالم قانون عملي، ينظم علاقة البلدية والولاية مع جميع الأطراف المساهمة في التنمية المحلية، ويتدارك النقائص التي يحملها القانون الساري التنفيذ منذ عشر سنوات خلت. وينتظر من القانون الجديد أن يحوّل البلدية والولاية إلى فاعل بدلا من أن تبقى مجرّد آلية وإدارة عادية.
آليات جديدة لترسيخ الديمقراطية التشاركية
يبحث الجميع عن تفعيل دور البلدية والولاية كمجسّد للفعل الإداري والسياسي ومساهم في حل الإشكاليات على المستوى الوطني، خاصة وأن تجربتنا التي تلت السنوات الأولى لاستقلال الجزائر، وحتى التجارب على المستوى العالمي تثبت بأن الاعتماد على البلدية هو المستوى الأمثل لتنفيذ السياسات، وجعل من بعض السياسات أكثر قوة وفعالية، فالعديد من الخبراء يجمعون على انّ المواطن لا يمكن أن يستشعر أو يستفيد من ثمار التنمية إلا على المستوى المحلي.
أشار أستاذ القانون العام بجامعة الجزائر -01- الدكتور أحمد دخينيسة، في تصريح لـ “الشعب” حول مشروع تعديل قانون البلدية والولاية، إلى أن آفاق التعديل أو الإصلاح أو التحديث وكلها تصب في إطار تحسين النص الموجود حاليا، فالإطار الموجود حسب محدثنا يملك الكثير من الإمكانيات التي تسمح بتفعيل دور البلدية.
ويرى أستاذ القانون العام أن التعديل المطلوب هو لتوسيع الآفاق وغطاء ديناميكية جديدة بالتركيز على بعض الأبعاد التي كانت مغيبة، أولها الديمقراطية التشاركية، وهي مطلب وحكم دستوري يجب إعماله وتجسيده في قانون البلدية والولاية بغطاء آليات عضوية ووظيفية تسمح بتجسيد هذا البعد على أرض الواقع.
ووصف الدكتور دخينيسة أن هذا البعد يتعلق بحوكمة الجماعات المحلية، ما يعني إدراج المبدأ التشاركي الذي يسمح للمجتمع المدني بكل تفاصيله كشباب وطاقات، وموارد اقتصادية، في الإسهام العمل البلدي والولائي، الذي يعتبر مجالا خصبا يتميز بالقرب من المواطن ويسمح بالتكفل بالإطار المعيشي له، وكل ما يرتبط بالخدمات العمومية والإطار المعيشي الذي في كل الأبعاد تعجز الآن البلديات على إقامتها.
وأضاف الأستاذ دخينيسة أن البعد الثاني حسب توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يتعلق بالبعد الاقتصادي، حيث ينتظر إدراج ديناميكية وحوكمة اقتصادية على مستوى البلدية والولاية، لتفعيل دور البلدية في مجال التنشيط الاقتصادي وإنشاء الثروة، مشيرا إلى أن الكثير من السياسات العمومية لا يمكن أن تكون فعاّلة إلاّ بإدماجها على المستوى المحلي والبلدي الولائي.
وفي ذات السياق، استشهد محدثنا بالكثير من المؤسسات الكبرى التي كانت مؤسسات بلدية وولائية تنشط بحكم الخيارات التي كانت موجودة في الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي، وتأسف المتحدث للقطيعة التي حدثت خلال فترة تسعينات القرن الماضي التي أبعدت ونزعها عن البلديات بُعدها اقتصادي وهو ما أبعدها عن التنمية المندمجة والمستدامة بكل أبعادها الاجتماعية الاقتصادية والبيئية.
وفيما يتعلق بالبُعد الثالث الذي ذكره محدثنا في حوار خص به “الشعب”، أوضح أستاذ القانون إعلام بجامعة الجزائر -01- أنه ينبغي إدماج البعد البيئي.
ودعا دخينيسة إلى إدماج آليات للحفاظ على المناخ وكيفية تطبيق التزامات الجزائر الدولية ومخطط وطني للمناخ في اختصاصات البلدية، مشيرا إلى مناخ البلد اليوم يفرض علينا تكييف النصوص القانونية بالنظر للتحديات والالتزامات الجديدة التي تقع على الدولة والمجتمع ككل.
وأشار أستاذ القانون العام بجامعة الجزائر -01- الدكتور احمد ذخينيسة، إلى أن البعد الرابع يتعلق بتكييف نظم البلديات مع ما يعرف باختلافات بين مدن، وبلديات صغرى وبلديات كبرى، وكيفية إنشاء شبكات للتعاون والتضامن بين البلديات بالإضافة إلى ضبط الآليات الموجودة حاليا والتي تحتاج إلى إدراج سبل تسمح بتوسيع أثرها.
وذكّر دخينيسة بقانون المدينة الموجود لكنه بفعالية أقل من الدور المنوط به بالإضافة إلى التحدي الذي ينتظر اللجنة المخولة بتعديل قانون أو بالأحرى بإصلاح قانون البلدية والولاية، ودمجه في سياسة تهيئة الإقليم وإنشاء تلك الجسور التي تجعل من التهيئة الإقليمية أكثر فعالية، بالرغم من أنّ النصوص الحالية تفرضه لكن يغيب عنه الإطار والآليات تسمح بإدماجه فعلا في السياسات المحليّة.
ويرى الأستاذ دخينيسة أن التنمية المحلية أو في المستوى الأعلى منها لطالما ارتبط بالتمويل، لذا فإن وجود ما يقارب ثلثي البلديات العاجزة عن تمويل مشاريعها يجعل الدولة تموّل وتقدم الإعانات، وبالنظر الى أن مصدر التمويل يعود للحكومة فمن المنطقي أن تعود الكلمة الأولى والأخيرة للهيئات التنفيذية التي تمثل مصدر التمويل هنا في هذه الحالة وهي الدولة.
ويقول محدثنا، إن ما يدور بشأن صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي ومحدودية قراراته في المشاريع التنموية، أعراض للمشكلة إن صح وصفها “هي أعراض للمرض وليس تشخيص له”، وقال أستاذ القانون العام إننا نجد هنا أن “الفاعلين يطالبون ويظهرون سمات المشكلة ويتغاضون عن أسبابها، والحل يتمثل في كيفية إعادة توزيع الاختصاص ارتباطا بالتمويل”.
وأوضح الدكتور ذخينيسة أن كلام بعض الفاعلين المحليين يتسم بنوع من المطلبية، وقال “ الحل ليس بتلك البساطة بإعطاء صلاحيات للمنتخب المحلي” والصلاحيات اليوم موزعة بين البلدية والولاية والهيئات الأخرى للدولة، وهناك حوكمة حالية فيها نقائص ونوع من بيروقراطية والتداخل، لكن رؤساء البلديات وهم فاعلون يطالبون ببعض الاختصاصات في بعض الأحيان تندرج في خانة المطالب الغامضة”.
وأضاف أستاذ القانون أننا في مرحلة تقديم الاقتراحات وليس المطالبة، مشيرا إلى انه اللجنة التي تم تشكيلها تعمل على مستوى الخبرة وعلى الفاعلين المحليين أن يسهموا باقتراحاتهم بنوع من الدقة في المجالات المعيشية للمواطن.