يتوقع الدكتور أحمد حيدوسي أن تتطور الشراكة الجزائرية ـ القطرية إلى مستويات أوسع على ضوء إرادة مشتركة قائمة على التعاون الثنائي، وقال الخبير في حوار مع “الشعب” إنّه ينتظر الكثير من مسار هذه الشراكة الواعدة والمربحة للطرفين.
– الشعب: كيف تقيّمون المستوى الذي وصلت إليه الشراكة الجزائرية ـ القطرية اقتصاديا وتجاريا على وجه الخصوص؟
د. أحمد حيدوسي: صحيح أن العلاقات السياسية بين الجزائر وقطر، ممتازة، مما أثّر إيجابا في الجانب الاقتصادي، فأخذ منحنى تصاعديا خلال السنوات الأخيرة، ولذا تعد قطر من بين أهم الدول المستثمرة في الجزائر، وكذلك بالنظر إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 1 مليار دولار، بعدما كان لا يتعدى بعض العشرات من الملايين الدولارات، ومؤخرا أخذ التبادل التجاري بين البلدين منحنى تصاعديا.
ويجب التأكيد أن حجم الاستثمارات في تصاعد مطرد، بحكم أن العلاقات متميزة بين البلدين، إلى جانب وقوف الجزائر مع قطر في عديد من القضايا التي مرت بها قطر، وكذا وقوف قطر في قضايا سياسية مع الجزائر، لذلك اليوم العلاقات الاقتصادية في تطور ملحوظ، علما أن حجم اقتصاد البلدين متقارب من حيث الناتج الإجمالي الخام، حيث أن البلدين منضويان تحت لواء البلدان المصدرة للغاز.
وهناك تقارب في الرؤى في عديد من الملفات في هذا التكتل الدولي الذي بدأ يأخذ مكانته في التكتلات العالمية، بالإضافة إلى أن الجزائر وجهة استثمارية واعدة، بحكم أنها من الناحية الديموغرافية تعد سوقا كبيرة، بما لا يقل عن 45 مليون نسمة، وفوق ذلك تمتلك إمكانيات هائلة طبيعية ومادية، وأما من حيث البنى التحتية لديها العديد من الموانئ التجارية، وبنية تحتية للسكك الحديدية والطريق السيار والكهرباء وما إلى غير ذلك من البنى التحتية المساعدة على الاستثمار، وهذا ما يبحث عنه القطريون الذين يمتلكون الجهاز الاستثماري القطري بأكثر من 430 مليار دولار، ويستثمر عبر جميع القارات الأربع.
ولا يخفى حسب خبراء، أن الجزائر ترغب في جلب هذا الصندوق للاستثمار بها، وصحيح أن الدول التي يتواجد بها هذا الصندوق يسجل مشاريع مربحة، والجزائر ترغب أن يدخل القطريون، علما أنها تعرض مشاريع مربحة للقطريين بل وتجذبهم إلى السوق الجزائرية، وينبغي ذكر تجربة الحديد والصلب بولاية جيجل حيث جاء مشروعا استراتيجيا مهما جدا للطرفين خاصة أن الجزائر تمتلك المادة الأولية الخام من خلال استغلال غار جبيلات الموجه لهذه الشركة، بالإضافة إلى شركة “توسيالي” المتواجدة بالغرب الجزائري، وشركة أخرى صينية، وفي مجال الاتصالات توجد شركة قطرية ناجحة، وإلى جانب مجال الخدمات تتطلع الجزائر للتعويل على رؤوس الأموال القطرية في الدخول في مشاريع تعود بالفائدة على الطرفين، من خلال إنشاء مستشفى قطري – جزائري ألماني مهم جدا.
كما يتوفر بالجزائر مشاريع في مجال البنى التحتية يمكن أن يستثمر فيها القطريون بحكم أنها تتطلب أموالا ضخمة أو ما يعرف بعقود البناء والاستغلال والتحويل، ومن خلال إنجاز موانئ وسكك حديدية، وفي هذا المجال الجزائر تعرض مشروع خط سكك حديدية شمال جنوب أمام القطريين للاستثمار في هذا المجال، وهناك العديد من المشاريع التي تحتاجها السوق الجزائرية، والجزائر سوق واعدة بحكم امتلاكها لموقع استراتيجي، بقربها للأسواق الإفريقية والأوروبية، لذلك يمكن الاستفادة من رؤوس الأموال القطرية من أجل إقامة مشاريع تعود بالفائدة على الطرفين.
تجربة مهمة نحو تكامل عربي
– هل يمكن وصف هذه الشراكة بالنموذجية على الصعيد العربي؟
بطبيعة الحال يمكن وصف الشراكة الجزائرية – القطرية بالنموذجية على الصعيد العربي، خاصة وأننا بعد أيام قليلة من انعقاد القمة العربية، والتي كان من بين محاورها التكامل الاقتصادي العربي، إذا فالتجربة الجزائرية ـ القطرية نموذجية، ويمكن اعتمادها كأرضية لتوسعة الشراكات مع دول أخرى في المنطقة العربية، من أجل الوصول إلى تكامل عربي يخدم جميع الأطراف العربية.
– ماذا يمكن أن يقدم المستثمرون القطريون للجزائر وفي أي مجالات؟
صحيح أن الجهاز الاستثماري القطري، يستثمر في عديد من البلدان بالعالم، ونتحدث عن التجربة في ألمانيا، وكذلك لديه تجربة رائدة في الاستثمار بقطاع السيارات، والجزائر حاليا تعول على إنشاء قاعدة في صناعة السيارات، وقطع غيار السيارات، وهنا يمكن الاستفادة من رأسمال وخبرة القطريين في هذا المجال، من أجل إقامة مصانع في قطاع غيار السيارات والذي يعد سوقا كبيرة في الجزائر بحوالي 2 مليار دولار، ولعل هذا ما يسيل لعاب الكثير من الشركات، لذا يمكن دخول هذا المجال، بالإضافة إلى عديد المجالات التي ذكرناها مثل البنى التحتية وقطاع الصحة والخدمات والنقل من خلال شركة الطيران القطرية.
– بالمقابل هناك مستثمرين جزائريين مهتمين بالسوق القطرية، إلى أي مدى يمكن أن يدفع ذلك إلى بناء شراكة إستراتجية تشمل مختلف المجالات ويستفيد منها الطرفان؟
إن رفع حجم التبادلات الجزائرية ورفع مستوى الصادرات في المجال الزراعي متاح، فالمنتجات الفلاحية الجزائرية مطلوبة في السوق القطرية، بحكم جودتها وقلة استعمالها للمواد الكيماوية، لذلك يمكن أن نصل إلى مرحلة أن نجعل من قطر كقاعدة لاستقطاب المنتجات الزراعية وتصديرها إلى منطقة الشرق الأوسط أو الخليج العربي وبالتالي إقامة مشاريع تجارية بين البلدين.
بناء سوق مشتركة
– هل يمكن وصف الإرادة القائمة بين الجزائر وقطر من أجل تعاون اقتصادي أكبر وشراكة أوسع، ضمن مشروع التكامل الاقتصادي العربي الذي يتطلع إليه الجميع؟
بالفعل يمكن التأكيد والتعويل على ذلك لأن التكامل الاقتصادي بين الدول يمر عبر مراحل، وأول هذه المراحل نذكر التجارة التفاضلية، أي كلا البلدين يفضل الآخر على اقتناء احتياجاته عوض شرائها من أسواق بعيدة، مع ارتفاع حجم التبادل التجاري، يمكن تطوير العلاقات الاقتصادية، عن طريق إلغاء الرسوم الجمركية والعوائق الجمركية، ومن خلال الوصول إلى مرحلة سوق مشتركة أو التعامل بالعملات المحلية ونتجه إلى عملة ثالثة كالأورو أو الدولار إلى أن نصل إلى توحيد العملة على مستوى المنطقة العربية ككل.
– كيف تقيّمون حجم التعاون الاقتصادي والتبادل البيني التجاري بين البلدين، وإلى أي نسبة تتوقعون أن يبلغ على الأمدين المتوسط والطويل؟
إن حجم التبادل التجاري بين البلدين ليس بالمرتفع لأنه لا يتعدى 2 مليار دولار استثمارات قطرية بالجزائر، بينما الاستثمارات الجزائرية بقطر أقل بكثير من ذلك، أما حجم التبادل التجاري مقارنة بحجم اقتصاد البلدين المتقاربين في الناتج الداخلي الخام، مازال ضعيفا نوعا ما، لكن خطوات أولى يعد مهما جدا ليبلغ في مراحل أخرى مستوى أعلى أي خلال الخمس سنوات المقبلة، حجم التبادل التجاري يمكن أن يصل إلى 5 ملايير دولار، علما أن رفع الاستثمارات بين البلدين خاصة الاستثمارات القطرية بالجزائر مرشح قفزه إلى 10 ملايير دولار، لأننا نعلم أن الاستثمارات القطرية في فرنسا يصل حدود 30 مليار دولار وفي ألمانيا أزيد من 24 مليار دولار، علما أن الجزائر سوق واعدة ومربحة تقدم الكثير للمستثمر، فأبواب الجزائر مفتوحة أمام القطريين خاصة أن قانون الاستثمار الجديد مشجع ومحفز للمستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء، ويضاف إليها إمكانيات ضخمة متاحة بالسوق الجزائرية.
– إن الأمن الغذائي يعد تحديا رئيسيا للدول في الوقت الراهن، خاصة بالوطن العربي، ومعروف أن قطر تستثمر في المجال الفلاحي في إفريقيا وبلدان أخرى.. هل يمكن أن نرى مشاريع كبيرة تؤمن الغذاء للدولتين، وبالتالي تموين بلدان عربية أخرى؟
فعلا الأمن الغذائي إحدى الملفات المطروحة على جدول أعمال القمة العربية، وطرح في عديد الاجتماعات الدولية، لذلك اليوم يمكن معالجة هذا الملف من خلال إقامة استثمارات ضخمة والجزائر لديها إمكانيات كبيرة أكثر من 8 ملايين هكتار قابل للاستصلاح، ويمكن إقامة شراكات وتحالفات من أجل إنتاج الزراعات الإستراتجية كالقمح والذرى وما إلى غير ذلك وحتى تصديرها إلى دول العالم، وشاهدنا ما تقوم به دول الخليج العربي من استثمارات بالسودان وأثيوبيا، أي استثمارات بمئات آلاف الهكتارات وبعد ذلك يتم نقل المنتجات إلى هذه الدول، والجزائر تتوفر بها كل الإمكانيات أي يد عاملة مؤهلة وطاقة بثمن منخفض وأراض زراعية خصبة، تحتاج إلى تنظيم ورؤوس أموال وإقامة مشاريع شراكة حقيقية وجادة وبالتالي إنتاج ما تحتاجه المنطقة العربية.