ارتفعت وتيرة التعاون بين الجزائر وقطر في السنوات الأخيرة بشكل لافت، وأضحت نموذجا للشراكة العربية ـ العربية بمشاريع نوعية في قطاعات إستراتيجية كالصلب، الصحة والاتصالات، ومع انخراط القطاع الخاص يرتقب ضخم استثمارات معتبرة في السوق الجزائرية.
تشهد العلاقات الجزائرية – القطرية قفزة نوعية، إذ نجحت في ترجمة جودة العلاقات السياسية إلى واقع ملموس، يزدهر من سنة إلى أخرى في مجال الشراكة الاقتصادية، ونسقها المتصاعد بفضل سرعة تنفيذ كل مذكرات التفاهم في مختلف المجالات.
رفـع المبادلات التجارية إلى أعلى مستوى
ويؤكد مسؤولو الشركات الاقتصادية للبلدين، أن الزخم المرتفع للتعاون الجزائري – القطري، يجسد الإرادة السياسية القوية، لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وخلال السنوات الثلاثة الأخيرة، بلغت العلاقات السياسية أعلى مستوى لها، من خلال الزيارات رفيعة المستوى، حيث عرفت زيارة أمير دولة قطر للجزائر في جانفي 2020، وضع أولى لبنات تمتين العلاقات على كافة المستويات.
بينما شهدت زيارة الرئيس تبون إلى دولة قطر في فيفري الماضي، توقيع عدة اتفاقيات جسدت معظمها توسيع مجالات التعاون، ليشمل المشاورات السياسية والتنسيق بين وزارتي خارجية البلدين والتعاون القضائي والقانوني في المسائل الجنائية بين الحكومتين ومذكرات أخرى في قطاعات التضامن والتعليم العالي.
وسجّلت الجزائر خلال ذات الزيارة مشاركة مثمرة في المنتدى العالمي للغاز، إذ يعتبر البلدان من أهم المنتجين والمصدرين للغاز في الأسواق الدولية.
ومثّل حضور أمير دولة قطر، ضيف شرف في حفل افتتاح ألعاب البحر الأبيض المتوسط بوهران، في جوان الماضي، أقوى مؤشر برأي مراقبين على المستوى العالي الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين، فيما لقيت مشاركته الشخصية في أشغال القمة العربية المنعقدة بالجزائر قبل أيام قليلة عن تنظيم بلاده دورة كأس العالم 2022، استحسانا كبيرا أثبت أن البلدان مقبلان على حقبة ذهبية في التعاون.
وبعدما أخذت مواضيع الشراكة الاقتصادية والأمن الغذائي، لأول مرة مساحة واسعة في أشغال القمة العربية، قدمت الجزائر وقطر نموذجا رائدا في الشراكة العربية – العربية، حينما أشرف الرئيس تبون والأمير تميم على استكمال المرحلة الأخيرة لإنجاز مركب الحديد والصلب “بلاّرة”، ووضع حجر الأساس لإنجاز المستشفى الجزائري ـ القطري ـ الألماني.
وبفضل هذه المشاريع الإستراتيجية، تحتل قطر صدارة المستثمرين العرب في الجزائر بنسبة 74.31 بالمائة من حجم الاستثمارات العربية.
ومركب الحديد والصلب، للشركة الجزائرية القطرية للصلب، بمنطقة بلاّرة في جيجل، تقدر قيمته الاستثمارية بـ 2 مليار دولار أمريكي، وبالرغم من حداثة إنشائه (سبتمبر 2015)، إلا أنه يحقق إنتاجا معتبرا بـ 2 مليون طن، يغطي بها احتياجات السوق الوطنية، وهو يباشر عمليات التصدير نحو الخارج.
وحسب الأرقام الرسمية المقدّمة من قبل مجمع “إيميتال”، فقد بلغت صادرات المركب خلال السداسي الأول للسنة الجارية 200 ألف طن بقيمة 150 مليون دولار، مقدما بذلك إضافة نوعية في رفع قيمة الصادرات خارج قطاع المحروقات.
ووقع البلدان في فيفري الماضي مذكرة تفاهم، لإطلاق المرحلة الثانية لتوسيع مركب الحديد والصلب، وشرعت الشركة الجزائرية ـ القطرية للصلب، في إنجاز دراسة الجدوى لطرح منتجات أخرى.
أما المستشفى الجزائري ـ القطري ـ الألماني، فيتصدر الشراكات الواعدة بين البلدين في مجال الرعاية الصحية، كونه سيجهز بأحدث التقنيات وبفريق عمل مدجج بخبرات عالمية، ويعرف المشروع سرعة كبيرة في التنفيذ، فبعد توقيع مذكرة التفاهم في 5 أكتوبر الماضي، تمّ الانتهاء من اختيار أرضية الإنجاز على مساحة بـ 100.000 متر مربع، وأسند لشركة الاستثمار القابضة القطرية.
وبحسب وزير الصحة عبد الحق سايحي، يعد المستشفى صرحا “يهدف إلى اعتماد معايير التميز والتفوق”، وسينجز وفق خطة تقوم على 3 محاور هي الجودة في الرعاية الصحية، إدراج النماذج الصّحية الجديدة، وتحسين نتائج الرعاية الصحية للأنشطة ذات الأولوية.
انخراط القطاع الخاص..
في مقابل هذه المشاريع الهيكلية، يرتقب أن يسهم القطاع الخاص للبلدين في إعطاء زخم نوعي للاستثمارات القطرية بالجزائر، خاصة بعد الاهتمام الذي أبداه رجال الأعمال القطريين بالسوق الجزائرية وما توفر من فرص في مجالات عديدة.
وفي جوان الماضي، عُقد أول اجتماع لمجلس الأعمال الجزائري ـ القطري، برئاسة مشتركة لكمال مولى، رئيس مجلس تجديد الاقتصاد الجزائري والشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني رئيس رابطة رجال الأعمال القطريين.
وأكد الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، أن الجزائر تتوفر على مقومات الاستثمارات الإستراتيجية، كالزراعة والصناعة الزراعية، ويمكن أن تساهم بشكل معتبر في تحقيق الأمن الغذائي العربي في ظلّ تداعيات الحرب الدائرة في شرق أوروبا.
وأعلن المتحدث لوكالة الأنباء القطرية، على هامش القمة العربية، أن زيارة وفد من رابطة رجال الأعمال إلى الجزائر في جوان الماضي فتحت الأبواب أمام القطاع الخاص، “وتوجت بمشاريع جديدة في قطاع الألبان والرعاية الصحية والسياحة، كما تتمّ دراسة مشروعات أخرى في هذا السياق”.
في المقابل، يعمل البلدان على رفع المبادلات التجارية إلى مستوى أعلى، كونها لا تعكس حاليا جودة العلاقات الثنائية، إذ سجلت 40 مليون دولار العام الماضي بارتفاع 12 بالمائة مقارنة بـ 2020.