تداول بعض “الفسابكة” حديثا عن «عزوف الشباب عن التكوين» بعد الحصول على منحة البطالة، وقيل إن «المنحة» تضمن معيشة مريحة، وبركة دون حركة، ما يعني أن صاحب المنحة سيجد ألف حجة كي يتهرّب من العمل، مادام المدخول مضمونا..
والحق أن هذا ليس من أخلاق الجزائري، ولا من طبيعة تفكيره، بل لا يمكن أن يخطر على باله، فالأصل عندنا أن الرّجل (الآرقاز) يعمل بـ “دورو، ويحاسب البطال”، وهذا ثابت في المخيال العام الجزائري، ولا يمكن أن يحول أو يزول، ما يجعل «البطالة» في الضمير الجمعي، نقيصة ينبغي تفاديها، و»عيبا» لا ينبغي الوقوع فيه؛ ولهذا بالضبط، توافق الجزائريون على تلك المقولة الشّهيرة (المعاونة في النّصارى، ولا القعاد خسارة)..
كان هذا رأينا، ولكن إقامة الحجة على صحّته يحتاج أرقاما، فظلّ معلّقا إلى أن جاءت كلمة وزير التكوين والتعليم المهنيين أمام نواب الغرفة السفلى، فأكدت أن المسألة متعلقة بـ(كمّ مهمل) لا يعبّر بالضرورة عن انتشار ظاهرة العزوف، خاصة وأن المسجلين بمراكز التكوين بلغ نصف مليون من الشباب، كلهم يرجون اكتساب ما يفتح آفاق العمل الجادّ أمامهم، فيكونون صالحين لأنفسهم وأهلهم، ويكرّسون المقولة الجزائرية الرائعة (يفنى مال الجدّين، وتبقى خدمة اليدّين)..
وحتى «الكمّ المهمل» الذي وصفنا آنفا، لا يعبّر بالضرورة عن (عزوف بسبب منحة البطالة)، فقد يكون هناك من يرغب في تخصّص لم يتح له هذا العام، وسيتاح له في عام مقبل، وقد يكون هناك من يفكر في استحداث مؤسسته الخاصة، وقد تكون هناك أسباب أخرى، تبرهن على أن فكرة (العزوف) بائسة، ولا يمكن أن تجد لنفسها مكانا بين ثوابت العقلية الجزائرية..