لا تتوقف جهود الجزائر في سبيل حماية حقوق الإنسان وترقيتها، وتعززت أكثر مع تكريس مبادئها في دستور 2020، الذي أفرد فصلا كاملا تحت عنوان “الحقوق الأساسية والحريات العامة والواجبات”.
تضمن دسنور 2020 مبادئ وأحكام تكرس دولة القانون وتضمن الحريات السياسية الاقتصادية والاجتماعية، تشمل أخلقة الحياة السياسية وتعزيز الديمقراطية ومحاربة ظاهرة الفساد.
جهود الجزائر هذه عرضها وزير العدل حافظ الأختام عبد الرشيد طبي، بجنيف السويسرية، بمناسبة التقرير السنوي الشامل الرابع للجزائر، وذلك في إطار دورة التقييم من قبل النظراء بمجلس حقوق الإنسان، وأبرز المكاسب التي حققتها الجزائر في مؤسسات دستورية تضمن حقوق الإنسان، موضحا “أن الدستور وسّع بشكل لافت من الحقوق والحريات المتعلقة بمؤسسات المجتمع المدني والمرتبطة، لاسيما بحرية الرأي والإعلام والتجمع والحق النقابي والحق في الإضراب وإنشاء الجمعيات المدنية والأحزاب السياسية”.
وصادقت الجزائر على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في أول دستور لها سنة 1963، انطلاقا من إيمان راسخ منها بحقوق الشعوب المسلوبة، وتمسكت الجزائر به في كل الدساتير المتعاقبة، وآخرها دستور 2020، الذي تناول الحقوق الفردية والجماعية وفق ما تنص عليه المواثيق الدولية ذات الصلة، منها العهد الدولي للحقوق السياسية، والعهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
ولا تكتفي الجزائر في دستورها بالحقوق الموجودة في هذا الإعلان، بل جعلت من ممارستها حقيقة يكرسها القضاء باعتباره حاميا لها، وأهمها تلك التي لها علاقة بالحريات الفردية والحقوق ذات الصلة. وفق ما تحدث عنه طبي، السنة الماضية، بمناسبة إحتفائية 73 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ليس هذا فقط، وبشهادة الأجانب أكد مسؤولون دوليون على جهود الجزائر في ترقية حقوق الإنسان وتثمينها، وهذا خلال فتح النقاش حول حقوق الإنسان في العالم، بنفس المناسبة، على غرار سلطان الجمالي المدير التنفيذي للشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وجيلير سييقو المدير التنفيذي للشبكة الإفريقية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وكاترينا روز ممثلة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بجنيف، وممثلة الأمم المتحدة بلرتا أليكو المنسق المقيم بالنيابة لنظام الأمم المتحدة بالجزائر، وأكدت أن الجزائر ومنذ استقلالها اختارت التضامن عنوانا لسياستها الخاصة بمجال حقوق الإنسان، وتحقيق أهدافها لبلوغ المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
الجزائر تُبرز مكاسب منظومة حقوق الإنسان
قدم الوفد الجزائري رفيع المستوى، برئاسة وزير العدل حافظ الأختام، عبد الرشيد طبي، أمس، إجابات دقيقة وموثقة على أسئلة وتوصيات أعضاء مجلس حقوق الإنسان الأممي، حول وضعية حقوق الإنسان في الجزائر خلال السنوات الأربع الأخيرة.
تحويل حركة المواطنة الشعبية إلى أرضية انطلاقة نحو إصلاحات عميقة وغير مسبوقة
جاء ذلك في دورة التقييم من قبل النظراء والتي عرفت استعراض الجزائر تقريرها الدوري الشامل الرابع، بمقر المجلس بجنيف السويسرية.
ويعود آخر تقرير قدمته الجزائر لسنة 2017، وفق آلية الاستعراض الشامل كل أربع سنوات، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2006 وتعمل بها الدول الأعضاء.
وخلال هذه الفترة تعاملت الجزائر مع 400 توصية، تقدم النظراء في مجلس حقوق الإنسان، ليؤكد وزير العدل، حافظ الأختام عبد الرشيد طبي، بأن الجزائر وإلى جانب إحرازها تقدما كبيرا في تجسيد التوصيات فقد باشرت مرحلة “إعادة تأسيس” متينة تأخذ فيها منظومة حقوق الإنسان مكانة مرموقة.
واستعرض طبي، تجربة الجزائر الفريدة في تحويل حركة المواطنة الشعبية ومطالبها المشروعة إلى أرضية انطلاقة نحو إصلاحات عميقة وغير مسبوقة في تاريخ الجزائر، مستدلا بدستور نوفمبر 2020 الذي عدل عبر آلية الاستفتاء الشعبي.
وقال الوزير في كلمته: “إن بلدي استبعد ونأى بنفسه عن المغامرة بفترة انتقالية دون آجال محددة أو آفاق غير واضحة المعالم، وفضل مسار إضفاء الشرعية الدستورية على مؤسسات الحكم”.
وأشار الوزير إلى تتويج مسار المشاورات والحوار الوطني الذي انخرطت فيه كل الفعاليات الوطنية، بانتخابات 12 ديسمبر 2019، أسفرت عن انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون، الذي باشر بفتح ورشات ضخمة، بدأت بتعديل الدستور الذي رسخ الحقوق والحريات الفردية والجماعية وتعزيز الفصل بين السلطات مع إبقاء قدر من التعاون فيما بينها.
وأكد الوزير ان الدستور الجديد، كرّس إضفاء الشرعية عن طريق الانتخاب، ورسخ الحراك الأصيل كمرجعية دستورية، إلى جانب توعية وأخلقة الحياة العامة ومكافحة الفساد، بإنشاءالسلطة العليا للوقاية من الفساد ومكافحته وتقييد العهدة الرئاسية والبرلمانية، وتحويل المجلس الدستوري إلى محكمة دستورية بصلاحيات أوسع.
تنويه وإفحام ممثّل المخزن
وبعد عرض وزير العدل، استمع الوفد الجزائري، لمداخلات الدول الأعضاء، حضوريا (داخل المجلس) أو عبر التواصل عن بعد، أو عن طريق الأسئلة الكتابية.
وكان لأعضاء مجلس حقوق الإنسان الأممي، الوقت الكافي لقراءة تقرير الجزائر الشامل، حول وضعية حقوق الإنسان، كونها وضعته على مستوى الهيئة شهر أوت الماضي، ومع ذلك لم يسجلوا أي منفذ لأي انتقاد.
وتوجهت عديد الدول بتهنئة الجزائر على انتخابها شهر أكتوبر الماضي، عضوا في مجلس حقوق الإنسان، ونوهت بالتقدم الذي أحرزت في مجال حقوق الإنسان بصفة عامة، وفي إطار “الحوار البناء” قدمت توصيات تشجيعية على مواصلة مسار تطوير المنظومة.
ولم يفوت وفد الجزائر الفرصة للرد الشافي والوافي على ممثل نظام المخزن، الذي أراد صناعة الاستثناء باجترار مزاعم مستهلكة بخصوص اللاجئين الصحراويين. وقال وزير العدل: “هناك للأسف من استغل المنبر لأشياء أخرى، فالحرية كل لا يتجزأ، ومثلما هي حق لشعبك حق أيضا للشعوب الأخرى”.
وتكفل سفير الجزائر، بجنيف لزهر سوالم، بفضح نظام المخزن، أمام الدول الأعضاء، وذكره بالعار التاريخي الذي يطارده، قائلا: “قبل الحديث عن اللاجئين الصحراويين. السؤال هو لماذا طرد هؤلاء من أرضهم، لماذا استخدمت ضدهم قنابل الفسفور والنابالم؟ ولماذا يحرمون إلى غاية اليوم من حق بلادهم في تنظيم استفتاء تقرير المصير؟”.
إجابات دقيقة
الوفد الجزائري، بقيادة وزير العدل حافظ الأختام، قدم إجابات دقيقة وشاملة على أسئلة كتابية توجهت بها دول الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، بلجيكا، ألمانيا واسبانيا وليختنشتاين.
وبشأن وقف أو إلغاء عقوبة الإعدام، أوضح وزير العدل أن “الجزائر تلتزم بوقف الإعدام منذ سبتمبر 1993، أي لم تنفذ حكما بالإعدام منذ 30 سنة تقريبا، مع الإبقاء عليها في الجرائم الخطيرة، وأصدرت مراسيم رئاسية متعاقبة آخرها شهر جويلية الماضي بالعفو الكلي أو استبدالها بعقوبات مؤقتة”.
وبخصوص المادة 87 من قانون العقوبات التي عدلت في جويلية 2021، ونصت على الأفعال الجديدة التي تدخل في خانة الإرهاب، أوضح طبي، أنها تتوافق مع قرارات مجلس الأمن الدولي وتتوافق مع بعض اللوائح الأممية، خاصة في الوسيلة والهدف.
إشاعات وضحايا مزيفين
الوفد الجزائري، قدم إجابات صريحة، بخصوص الأسئلة التي تناولت “مضايقات مفترضة ضد نشطاء مفترضين أو صحفيين أو صناع رأي”.
وقال وزير العدل: “إن متابعة هؤلاء قليلة جدا، ولا تعكس حجم ما يروج له من إشاعات.. ثم إنها لا تتم بصفتهم نشطاء أو مدافعين عن حقوق الإنسان أو صحفيين معتمدين، وإنما وفق قانون العقوبات لأنها جرائم قانون عام اعتبارا لما يقومون به من أفعال وما يصدرونه من منشورات تسيء لشرف المؤسسات والأشخاص أو بحياتهم الخاصة وتقدم ضدهم بلاغات وشكاو أمام القضاء”.
وتابع الوزير: “إن حرية التعبير لا يجب أن تكون أداة للتخريب ولا ناقل لنشر العنف أو خطاب الكراهية”، منبها إلى أن الثورة الرقمية ورغم قيمتها المضافة أضحت مصدرا لتدفق لمعلومات مغلوطة تهدد الاستقرار المؤسساتي والديمقراطي واقتصاديات الدول.
وأكد طبي أن المنصات أضحت منابر للعنف والانتهاكات ضد حرية الأشخاص وسرية المراسلات بين المؤسسات وغيرها من الجرائم، وأشار الوفد الجزائري إلى اقتران حرية التعبير بالأخلاق مثلما ينص عليه عهد الدول للحقوق السياسية والمدنية في مادته 21.
في المقابل، أكد الوفد، أن الجزائر تحضر لمشاريع قوانين تدعم إنشاء الجمعيات، وتجرم الاتجار بالبشر، وتقترح إعفاء القصر المختطفات من الزواج، ونفى مزاعم متابعة متظاهرين سلميين، مشيرا إلى أن المتابعات اقتصرت على من اقترفوا جنحة التجمهر غير المرخص والمهدد للأمن او النظام العموميين أو الصحة العامة.
هيام لعيون/حمزة محصول (ملف)