عادت الدبلوماسية الجزائرية بقوة إلى الواجهة العالمية، فمنذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى السلطة، قبل ثلاث سنوات، أعاد التزامه الكامل بالقضايا العربية والأفريقية.
قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية نبيل كحلوش، في تصريح لـ “الشعب”، إن الدبلوماسية الجزائرية مرت في السنوات الأخيرة بثلاث مراحل، بداية بمرحلة الركود والعزلة النسبية، وهذا خصيصا بعد 2010 أين تأزمت الأوضاع في عدة دول إقليمية كـ “ليبيا”، “مالي” و«النيجر”، ثم مرحلة إعادة التنشيط، وهي التي انطلقت بعد 2019 إذ كانت تحركات الخارجية الجزائرية واسعة النطاق إثر تجديد الدولة بمنتظم سياسي مغاير، لتبدأ مرحلة الفعالية، وهي التي بدأت فعليا سنة 2022 بعد تمكن الجزائر من فتح سفارات وقنصليات جديدة في عدة دول، وكذا استقطاب أنظار العالم عبر استضافة الألعاب المتوسطية، ثم مؤتمر المصالحة الفلسطينية الذي توج بـ “إعلان الجزائر”، وكذا القمة العربية، ثم إيداع طلب رسمي للانضمام إلى تكتل “بريكس”.
إن الديناميكية التي تحققت للديبلوماسية الجزائرية – يقول نبيل كحلوش – أظهرت تخطيطا استراتيجيا شاملا، ورؤية جيوبوليتيكية دقيقة، وهذا ما يعكسه مضمون الخطاب الرسمي الجزائري الذي يتحدث عن “قطبية صاعدة” وعن “نظام عالمي جديد” وعن “إعادة تشكيل العالم”.. مما يشير إلى وجود مدركات جيوسياسية راسخة في الفكر الدبلوماسي الجزائري.
بذلت الجزائر، في الآونة الأخيرة، جهودا دبلوماسية على الصعيد العربي، أبرزها تسخير كافة الجهود لإنجاح القمة العربية، ومساعيها لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، فأثمرت اتفاقا على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام. كما سعت الجزائر خلال القمة المنعقدة في 01 و02 نوفمبر، بشكل دؤوب، لحضور أكبر عدد من القادة والزعماء العرب بتوجيه الدعوة إليهم جميعا، فضلا عن العمل على أن تكون القضية الفلسطينية الملف الأكبر، من خلال إحياء مبادرة السلام العربية.
ولم تتوقف جهود الجزائر عند هذا الحد، بل سعت جاهدة لمعالجة القضايا العربية، على كثرتها وتعددها، كالنزاعات المسلحة في ليبيا واليمن، والأوضاع في سوريا والسودان والصومال والعراق ولبنان.
تمكنت الجزائر، منذ استقلالها، من أداء دور دبلوماسي يسعى لحل النزاعات الدولية والعربية خصوصا، وذلك تحقيقا للسلم والأمن، باعتبارهما من أهم المبادئ التي تحمي المجتمع الدولي.
القمة العربية الأخيرة في الجزائر، برأي كحلوش، أكدت أن الجزائر لم تعد الحاضر الذي لا يُستشار والغائب الذي لا ينتظر، بل أصبحت تضطلع بدور ريادي بارز في النظام الإقليمي الحالي، يبرز من خلال ديبلوماسيتها الفاعلة.
وفي رده على سؤال حول موقع الجزائر على ضوء المستجدات الجيوسياسية، أفاد كحلوش أن موقع الجزائر الجديدة سيتحدد مستقبلا على حسب الخطوات التي ستتخذها في مجالات الاقتصاد والأمن بالدرجة الأولى. فاقتصاديا، ويبدو واضحا أن الجزائر بوضعها لقانون مالية ميزانيته تقارب 100 مليار دولار لسنة 2023م وحدها، وبمؤشرات نمو اقتصادي تفوق 4%، وبارتفاع الصادرات خارج المحروقات بما يناهز 5 ملايير دولار إلى غاية شهر نوفمبر، وبإجمالي ناتج محلي يناهز 170 مليار دولار، فهذا يدل على أن هناك شروطا ملائمة لانطلاقة جزائرية في الإقليم المغاربي والعربي والمتوسطي والإفريقي.
وفيما يتعلق بطلب الجزائر الانضمام إلى تكتل بريكس، قال كحلوش إنه انضمام إلى مشروع مبني على تعددية الأطراف الدولية، وتثمين العملات المحلية، والالتحاق باحتياطي نقدي بديل عن صندوق النقد الدولي، واستعمال أنظمة دفع مالي بديلة عن نظام “سويفت”، والتموقع مع تكتل يضم قرابة نصف سكان العالم، والاصطفاف مع دول تزيد مساحتها الإجمالية عن 40 مليون كلم مربع (أي أكبر من قارة إفريقيا وأوروبا)، مع ما تتمتع به من نمو اقتصادي سريع، وإجمالي ناتج اقتصادي يناهز 20 تريليون دولار، وهذا يعني – يقول محدثنا – التحاق الجزائر بركب له وزن جيوبوليتيكي محترم في العالم.