ناقش مجلس الوزراء الأخير برئاسة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مشروع قانون يتعلق بمكافحة الفساد، وأسدى رئيس الجمهورية تعليماته للحكومة بشأن إثراء القانون وإنشاء وكالة وطنية لتسيير الممتلكات المحجوزة والمجمدة والمصادرة، مع إيجاد آليات تمكّن من استعادة كل الأموال المنهوبة، وانتهاج الواقعية في التعامل مع ملفات مكافحة الفساد.
أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حكومة أيمن بن عبد الرحمن، خلال اجتماع مجلس الوزراء، بإيجاد آليات أكثر مرونة في استرجاع ممتلكات الدولة وتخفيف الإجراءات البيروقراطية، بما يُـمكّن من استعادة كلّ الأموال المنهوبة.
ودعا الرئيس تبون، حسب بيان لرئاسة الجمهورية، إلى “انتهاج الواقعية في التعامل مع ملفات مكافحة الفساد، من خلال اعتماد آليات بسيطة مُباشِرة بعيدا عن التعقيدات، التي هدفها إطالة عمر هذه الظاهرة”، مذكرا بـ«أن القانون فوق الجميع، وحماية المواطن أولى الأولويات ومحور اهتمام الدولة”.
وحسب نفس البيان، فقد أكد رئيس الجمهورية على استمرار مؤسسات الدولة في متابعة كلّ أشكال الفساد، مهما كانت امتداداته، بالتنسيق مع الهيئات والدول المعنية. وأبدى الرئيس ارتياحه لِـمَا تبذله بعض الدول الأوروبية من تعاون، لاسترجاع الأموال المنهوبة.
وتأتي قرارات رئيس الجمهورية بشأن ملف مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، لتعزّز الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة في هذا السياق، آخرها مشروع قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الذي تم وضعه على طاولة النقاش بالمجلس الشعبي الوطني، سبتمبر الماضي.
ستتمتع الوكالة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وستشرف على عمليات “استرداد الأموال المتأتية من الفساد”، ومتابعة العملية بشكل عام في كافة مراحلها الإدارية والقضائية، وممارسة الحق في استعمال الأموال المسترجعة أو استثمارها، أو التصرف بها.
ويرى أستاذ القانون العام بجامعة معسكر، الدكتور بهلولي أبوالفضل، أن إنشاء وكالة لتسيير الأموال المنهوبة والمجمّدة والمصادرة، له مرجعية في القانون الدولي، وهي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهذا مؤشر على التزام الدولة الجزائرية بالمواثيق الدولية وتوصيات الأمم المتحدة.
وأضاف بهلولي، أن هذا يشكل أيضا مؤشرا على الإرادة السياسية لمواصلة مكافحة الفساد. كما يدخل في إطار استكمال المنظومة القانونية لمكافحة الفساد، ويؤكد على التزام رئيس الجمهورية بمواصلة جهوده في مكافحة الفساد وفق سبل قانونية، خاصة وأنه تعهد باسترجاع الأموال المنهوبة.
وأشار أستاذ القانون العام بجامعة معسكر، إلى أن هذه الوكالة جاءت لتحل محل الصناديق الخاصة بالأموال والأملاك المصادرة أو المسترجعة، والتي كانت تحت إشراف وزير المالية، مما يجعلها مقيدة بالتنظيمات والتشريعات المالية ولا تحقق الأهداف المرجوة.
وقال بهلولي، “إنّ إنشاء الوكالة سوف يسمح لها بالتمتع بالشخصية المعنوية، مما يمكنها من الاستقلالية كهيكل مستقل له حرية في التصرف، والأهلية القانونية التي تمكنه من استخدام الأموال المسترجعة”.
وأضاف، أن الوكالة سيكون لها حق ممارسة أنشطة، مثل إنشاء شركات تجارية باسمها، أو المساهمة في الاستثمار بهذه الأموال والدخول في السوق، بالإضافة إلى أن هذه الوكالة سوف تعتمد على قواعد قانونية مرنة تسمح لها بتسيير الأموال المنهوبة.
ووفق تصوره، فإن الطبيعة القانونية للمؤسسة ستكون عمومية ذات طابع تجاري، تخضع للقانون الخاص وبالتحديد القانون التجاري، لأن قواعد القانون التجاري مرنة مقارنة بقواعد القانون العام.
من جهة أخرى، فإن الوكالة تسمح بتقديم إحصائيات عن حجم الموارد المالية المسترجعة وإعطاء فكرة عن حجم الفساد في الدولة للقضاء عليه أو محاصرته.
في ذات السياق، أشار محدثنا الى أن إنشاء الوكالة مرتبط بمراجع شاملة لقانون الفساد. أما عن مكافحة الفساد، فيجب أن تكون أكثر دقة واحترافية، لاسيما من خلال التحقيقات الابتدائية، التي يجب أن تتضمن العناصر والأدلة والمعلومات، واستعمال أساليب التحري على أعلى درجة حتى تكون هناك نتائج إيجابية لمواجهة الفساد المالي.
ويرى الدكتور بهلولي، أن هذه إشارة واضحة إلى تطوير أساليب التحرّي، وجودة العمل في التحقيقات المرتبطة بالفساد، بالإضافة إلى الابتعاد عن التهويل والتضخيم في ملفات الفساد. في ذات السياق، ستشكل رسالة للمسؤولين لطمأنتهم وعدم شعورهم بالخوف في ممارسة الوظائف الإدارية.
فيما يخص مجال التعاون مع الدول الأوروبية، يرى الأستاذ بهلولي أنه يشمل التعاون الثنائي بين الجزائر ودولة أخرى، أو التعاون الجماعي المؤجر بموجب الاتفاقية الدولية الأممية لمكافحة الفساد، حيث يشمل التعاون القانوني في التحقيقات والتحريات والحصول على الأدلة وتقديم المعلومات، مع تجديد وضعية عائدات الإجرام وحركة الأموال، بالإضافة إلى تحديد هوية المجرمين وتسليمهم.
وهنا يؤكد أستاذ القانون العام، أن الدبلوماسية الجزائرية سيكون لها دور كبير. كما يمكن للجزائر رفع دعوى مدنية أمام القضاء في دول أوروبية لاسترجاع الأموال، وهذا التعاون يعبر عن حسن نية والصدق في المكافحة والتعاون الدولي للقضاء على كل أشكال الفساد.
ويرى الدكتور أبوالفضل بهلولي، أن استعمال جملة “القانون فوق الجميع” في بيان مجلس الوزراء، هو مؤشر على نفاذ القانون في ظل احترام الحقوق والحريات، وهو مبدأ عالمي ودستوري، الجزائر ملتزمة به وملتزمة بأن مكافحة الفساد في الجزائر لها أولوية قصوى في برنامج القيادة السياسية، وهو انطلاق من شعور المواطن بالثقة في مؤسسات الدولة.
وأضاف، أن هذه الأخيرة تقضي أن جهاز العدالة مستقل ولا يخضع إلا للقانون والضمير وأن هناك سيادة القانون، وهذا التحدّي للسلطة القضائية والأجهزة الأمنية، في مواجهة الفساد.
كما تقتضي علاقة تشاركية بين الدولة والمواطن، تكون مرتبطة بسيادة القانون بحقوق الإنسان، لاسيما ضمان المحاكمة العادلة والتنمية المستدامة.
وحتى رفع القدرة على الصمود أمام التهديدات الداخلية والخارجية خاصة، فتظل الظروف والمتغيرات الدولية والقانون فوق الجميع، ويشعر المواطن بالإنصاف وعدم وجود الحرمان وإبعاد لكل أشكال الفوضى وعدم الاستقرار.