أم العجائب تلك التي تذرّع بها بعض المشتغلين بالتجارة، حين كانوا يقولون جهرا إنهم لا يرغبون في العمل بـ “الفاتورة”، لأن هامش الربح الذي تحدّده ضئيل جدا، وأنهم يجب أن يعملوا وفق هواهم، ويربحوا ما يحلو لهم على حساب المواطن المغبون الذي يجد نفسه مرغما على الدّفع، وهو يواجه أسعارا مجنونة، ترتفع (بلا هوادة)، ودون سبب واضح..
كانت هذه الحال قبل أن يأخذ القانون بزمام الأمور، ويستعيد للأسعار (عقلها) ولـ(المضاربين غير الشّرعيين) وعيهم الخالص، فصار كل شيء موفورا، وازدهرت رفوف المحلات بالسّلع أنواعا وأشكالا. غير أن بعضهم، ممن نصفهم بـ(المشتغلين بالتجارة، وليس التجار)، صاروا لا يفتحون محلاتهم إلا في غياب المفتشين؛ لأنهم أصلا (تجار كلانديستان)، يرفضون أي تعامل بالفاتورة..
ولا نعرف لـ»الفاتورة» عيبا ولا نقيصة، سوى أنها تحفظ حقوق الناس، والضرائب الزهيدة التي تترتّب عنها، يستفيد منها المواطنون جميعا، فهي الإنارة العمومية، وهي كل ما يحيط بالمواطن من مناظر جميلة، وهي النظافة والحفاظ على البيئة، وهي المدرسة والمتوسطة والثانوية، وهي المستوصف والمستشفى، وهي كل ما يستفيد منه المتهرّب من الفوترة، كمثل المواطنين الذين يدفعون الضرائب، غير أن (سي المتهرّب) يعتقد أنّ حقه العيش على حساب الناس، ويرضى لنفسه أن يكون في منزلة الطفيليات..
على كلّ حال، الجهود التي تبذلها وزارة التجارة، منذ أعلن الرئيس تبون عن نهاية عهد المضاربة غير الشرعية، جاءت بثمراتها، وحققت غاياتها، ووفرت حاجة المواطن الجزائري، ولم يبق سوى التهرّب من الفوترة، وهذا، مهما طال به الزمن، ستقضي عليه الرقمنة، ولن يجد شيئا ليبيعه، حين يصبح الشراء حصرا بالبطاقة البريدية أو البنكية.. وهنالك يجد التاجر الكلانديستان نفسه مضطرا، رغما عن دهائه، إلى الانصياع للفاتورة..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.