استنفرت وزارة الفلاحة، جميع مصالحها والتنظيمات المهنية، لتنفيذ عملية إحصاء كبرى لرؤوس المواشي أو ما يصطلح على تسميته “الثروة البيضاء”، في آجالها، ووفق تقنية رقمية، تستعمل لأول مرة في الجزائر، ينتظر منها أن تنهي التضارب المسجل بخصوص الأرقام المتداولة حول حجم هذه الثروة، وتضع حلا نهائيا لمشكل المواشي واستيراد اللحوم الحمراء سنة 2023، مثلما أمر به رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في اجتماعه بالحكومة والولاة.
تحرّكت مصالح وزارة الفلاحة، ميدانيا، من أجل تنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، كان قد وجهها لوزير القطاع، في اجتماع الحكومة – الولاة، يأمره بوضع حل نهائي لمشكل المواشي واستيراد اللحوم الحمراء سنة 2023، بالقيام بإحصاء دقيق للثروة الحيوانية. فلا يعقل، مثلما قال رئيس الجمهورية، “أن يجهل وزير القطاع العدد الحقيقي لعدد رؤوس الماشية، في وقت توجد إمكانات لإحصائها”. وأكد أنه آن الأوان “لتغيير الذهنيات وأن تأخذ الفلاحة حصتها من العصرنة”.
وأطلقت مؤخرا، وزارة الفلاحة، عملية الإحصاء الكبرى، من ولاية تيارت. ووضع المسؤولون القائمون على العملية، مهلة أقل من شهرين، لإتمام الإحصاء الرقمي، باستخدام شفرات إلكترونية تستعمل لأول مرة في الجزائر، من أجل توفير قاعدة بيانات رقمية حقيقية لهذه الثروة، تنهي جدلية الرقم “المتقارب” أو “غير الدقيق”.
ومنذ عامين، عملت وزارة الفلاحة على إدخال نظام الرقمنة لإحصاء القطيع الوطني من المواشي وتصنيفه، لتثمين المنتوج المحلي ورفع أدائه للخروج من التبعية الغذائية للأسواق الدولية، وتقليص فاتورة الاستيراد التي تكلف الدولة مبالغ طائلة بالعملة الصعبة.
ووقعت في بداية الأمر، اتفاقية تعاون لإنجاز الإحصاء الوطني للمستثمرات الفلاحية والثروة الحيوانية، تسمح في الشق المتعلق بالثروة الحيوانية، بإحصاء الاصطبلات وتربية الحيوانات عبر التراب الوطني، بهدف التوصل إلى وضع بطاقات ومراجع تستعمل كقاعدة بيانات ضرورية لإجراء تحقيقات، واتخاذ قرارات موضوعية بناء على قواعد بيانات دقيقة ومعطيات صحيحة، إلى جانب تطوير المؤشرات الفلاحية المدرجة في إطار عملية التنمية المستدامة.
كما تهدف العملية إلى تحديد بدقة فرص الاستثمار والإمكانات المتاحة في مجال الإنتاج الحيواني، ما يقرب المستثمر والمسؤول معا، أكثر من الحقيقة في الميدان، كما تسمح للسلطات العليا بتسطير سياسات تنموية صائبة وتقييمها وتقويمها.
ويعطي هذا الإحصاء الرقمي، بحسب رئيس جمعية الأمان لحماية المستهلك، حسان منور، السلطات المعنية “لوحة تحكم” لضبط سوق المواشي ومراقبته، لمنع عمليات التهريب والمضاربة، حيث سيسمح هذا النظام الرقمي، بتتبع مسار المواشي وتحديد الأمراض التي قد تصيبها وتاريخ تسويقها، وهذا سيضع حدا لعمليات الذبح الجائر للنعاج والخرفان، ويحمي الثروة الحيوانية المحلية من الانقراض، خاصة السلالات الجزائرية الأكثر جودة.
ثروة مليونية وأسعار خيالية
يتداول مهنيون وموالون، رقم 25 مليون رأس من الماشية تتوفر عليه الجزائر، وآخرون يشيرون إلى 29 مليون رأس… ولا توجد أي أرقام رسمية تؤكد أو تنفي هذا الرقم، مثلما نقلته لنا مصادر من الوزارة. في حين تشكك مصالح التجارة في صحة هذه المعطيات، بعد تخلف الموالين عن تأمين احتياجات الجزائريين من اللحوم شهر رمضان، وهذا ما جعل السلطات تتجه إلى فتح باب الاستيراد والمقايضة مع دول إفريقية، لضمان استمرار تموين الأسواق الوطنية باللحوم وتسقيف سعرها، بعد أن بلغت مستويات قياسية، وصلت 2000 دج للكليوغرام الواحد.
ورأى الوزير الأول أيمن عبد الرحمان هذا السعر بـ “غير المنطقي، في بلد كان يفترض ألا يتعدى سعر اللحوم 1200 دينار، بالنظر للدعم الذي تقدمه الدولة لهذه الشعبة” وهو ما يفرض إعادة النظر في المقاربة الشاملة التي تسير حاليا هذا القطاع، مثلما صرح به أمام أعضاء مجلس الأمة وهو يرد على انشغالات وردت خلال مناقشة بيان السياسة العامة للحكومة.
تهديدات عديدة
عدم توفر إحصائيات دقيقة حول الثروة الحيوانية التي تمتلكها الجزائر، لم يؤثر على أسعار اللحوم الحمراء فقط، بل بات يهدد هذه الثروة بالزوال، بحسب أحد الموالين (ح. حيمود)، بسبب تنامي جرائم المضاربة والاحتكار والتهريب، حيث أدى تدخل الوسطاء إلى تشتيت جهود الموالين والمربين الحقيقيين، ودفعت البعض منهم إلى التخلي عن هذا النشاط، أمام تكرر الاعتداءات عليهم وسرقة ممتلكاتهم، وضاعف معاناتهم الارتفاع الكبير لسعر الأعلاف في الأسواق الوطنية، المتضررة من وضع دولي عام، ناتج عن مخلفات الأزمة الصحية.
وقد دفع هذا الوضع المتأزّم الموالين، في أكثر من مناسبة، إلى مراسلة الوزارة الوصية ومطالبتها بإعادة النظر في سعر دعم الأعلاف المخصصة للأغنام، والتدخل لحماية المساحات الرعوية في الهضاب العليا والجنوب من الاستنزاف والتدمير الممنهج.
وقد أعلن الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، في مجلس الأمة، عن الشروع في تجسيد “المقاربة الجديدة” من أجل إعادة تنظيم هذه الشعبة، خاصة فيما يتعلق بتوزيع العلف بكل أنواعه، لاسيما الشعير الذي يعرف من خلال الوسطاء “أسعارا خيالية” حينما تبلغ هذه المادة المربين.
وتحدث عن مجهود كبير يجري حاليا لتنقية الشعبة من “المتطفلين والوسطاء الذين يؤثرون على المربين الحقيقيين الذين يجتهدون ويجاهدون يوميا لاستمرارية هذه الشعبة”.
وفي إجراء سريع لاحتواء هذا لوضع، عقد وزير الفلاحة عبد الحفيظ هني، الأسبوع الماضي، لقاء وطنيا لضبط شعبة اللحوم الحمراء، جمع مهنيين ومسؤولي المصالح والتنظيمات الفلاحية، أعلن خلالها عن اتخاذ جملة من الإجراءات الكفيلة بالاستجابة لانشغالات المربين، حيث تقرر توفير مادة الشعير مباشرة للموالين بكميات مضاعفة 18 كيلوغراما في الشهر بدل 9 كيلوغرامات في الشهر، كما كان معمولا به سنة 2021.
وذكر هني بالمناسبة، بأهمية العملية الكبرى للإحصاء الوطني للثروة الحيوانية باستعمال التكنولوجيا الحديثة، التي تسمح، مثلما قال، بـ«تحديد هوية القطيع وتتبع موقعه الجغرافي”، مشددا على ضرورة انخراط الجميع لإنجاح هذه العملية والمساهمة في جهود تنظيم أسواق المواشي ووضع حد لنشاط الوسطاء والمحتكرين، ولارتفاع أسعار اللحوم الحمراء. كما دعاهم إلى الترويج وتشجيع استهلاك اللحوم الحمراء من ولايات الجنوب، بالنظر لوفرتها ولنوعيتها الجيدة.
وبغرض تطوير المهنة والمحافظة على السلالات لغرض توفير لحوم حمراء للمواطن بالنوعية وبالأسعار المعقولة، أكد أهمية تطوير قاعدة البيانات المتعلقة بالمهنة، وتكثيف نظام الثلاثية (مربي، ديوان تغذية الأنعام يوفر له الأعلاف بسعر ثابت 2600 دينار للقنطار الواحد، والجزائرية للحوم الحمراء تتكفل بشراء المنتوج منه)، وتعميم هذا النظام على كل المناطق استجابة لطلب الموالين بهدف استقرار المهنة وضمان توفير الأعلاف للموالين وبيعها وتنظيمها بأسعار مدروسة، حسب الاتفاقية.
وتقرر غلق أسواق الماشية طول عملية الإحصاء، مع الترخيص للتسويق المباشر للأغنام من الموال إلى المذابح لضمان وفرة المنتوج، مع العمل على تسهيل عملية نقل لحوم “الأبقار” من الجنوب والتي يتم ذبحها في مذابح مراقبة في كل من ولايتي تمنراست وأدرار، في انتظار توسيعها إلى ولايات أخرى.
ومن أجل ضمان تموين وضبط السوق، تم الترخيص الحصري للشركة الجزائرية للحوم الحمراء بتسويق لحوم البقر الطازجة بكميات مدروسة بداية من جانفي 2023، حتى تصل هذه المادة إلى موائد الجزائريين بسعر مقبول.