التّعليق الرياضي على مختلف الرياضات، ومباريات كرة القدم خاصة، ليس مجرّد كلام يتابع اللّقطات ويصفها، وإنما هو خطاب كامل الأركان، يمكن أن يتحمّل بأيّ حمولة ثقافية، ويمرّ بمنتهى السّلاسة كي يستقر في الأذهان، ويتحوّل إلى أنموذج تعامل يومي..
كان التّعليق – أيام زمان – هادئا، يكتفي بما يبعث الفرح في القلوب، ولقد تابعنا معلقين عربا وعجما، يحرصون على أن يزيّنوا جلسات من يتابعونهم بقراءات تنمّ عن مستوى ثقافي رفيع، بل إنّ التعليق يبلغ من الاحترافية درجة تجعل المستمع لا يحسّ بأيّ انتماء يدافع عنه المعلق، أو يرغب في رؤيته منتصرا، فـ «المعلّق» يفرح للفريقين معا، ويعبّر عن إعجابه باللّقطات الفنية، واندهاشه من مستوى البراعة في التعامل مع اللّقطات الصعبة، وعادة يختم المباراة بإلقاء ألوان من المرح على السامعين.. هذه تهان للمنتصرين، وتلك كلمات طيبات للمنهزمين، فالمباريات – في الأخير – ليست علوما دقيقة، وفيها كثير من (الزّهر والميمون) ويمكن للبرازيل العالمي، أن ينهزم أمام حاسي الدلاعة الناشئ، ولا يفسد لكرة القدم قضية..عادي يعني..
غير العادي الآن، هو أنّ التعليق (المعرّب بصفة خاصة) صار منذ سنوات يحرص على أن يكون منحازا، وكأنّ المعلق لا يستقبل على موجات تلفزيونه، سوى المتفرجين من أنصار الفريق المحبب إلى قُليْبه، وعادة، ما يخاطب الحكم، ويدعوه إلى منح (رمية جزاء) هنا، و(مخالفة) هناك، حتى كأنّ الحكم يسمعه، وعندما لا يسمعه الحكم (وهي الحالة الطبيعية بحكم أن المعلّق يتحدّث في ميكروفون لا تصل موجاته إلى الحكم)..قلنا..عندما لا يسمعه الحكم، يبدأ في تحليل تفاصيل المؤامرات التي تستهدف فريقه!!..وهات يا (كلامولوجي)..
بصراحة يعني..التّعليق ليس مجرّد (هدرة)..فهو كلمة، والكلمة مسؤولية..